Monday, 31 January 2011

اللباس استحباب الثوب الأبيض وجواز الأحمر والأخضر والأصفر والأسود وجوازه من قطن وكتان وشعر وصوف وغيرها إلا الحرير

Monday, 31 January 2011 0
قال الله تعالى " يا نبي آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير " الأعراف
قال تعالى " وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم " النحل
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح
وعن سمرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البسوا البياض فإنها أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم رواه النسائى والحاكم وقال حديث صحيح
وعن البراء رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعا ولقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئا قط أحسن منه متفق عليه
وعن أبي جحيفة وهب بن عبد الله رضي الله عنه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وهو بالأبطح في قبة له حمراء من أدم فخرج بلال بوضوئه فمن ناضح ونائل فخرج النبى صلى الله عليه وسلم وعليه حلة حمراء كأنى أنظر إلى بياض ساقيه فتوضأ وأذن بلال فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا يقول يمينا وشمالا حي على الصلاة حي على الفلاح ثم ركزت له عنزة فتقدم فصلى يمر بين يديه الكلب والحمار لا يمنع متفق عليه العنزة بفتح النون نحو العكازة
وعن أبي رمثة رفاعة التميمي رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبان أخضران رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء رواه مسلم
وعن أبي سعيد عمرو بن حريث رضي الله عنه قال كأنى أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه رواه مسلم وفي رواية له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عمامة سوداء
وعن عائشة رضي الله عنها قالت كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة متفق عليه السحولية بفتح السين وضمها وضم الحاء المهملتين ثياب تنسب إلى سحول قرية باليمن والكرسف القطن وعنها قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود رواه مسلم المرط بكسر الميم وهو كساء والمرحل بالحاء المهملة هو الذي فيه صورة رحال الإبل وهي الأكوار
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في مسير فقال لي أمعك ماء قلت نعم فنزل عن راحلته فمشى حتى توارى في سواد الليل ثم جاء فأفرغت عليه من الإداوة فغسل وجهه وعليه جبة من صوف فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها حتى أخرجهما من أسفل الجبة فغسل ذراعيه ومسح برأسه ثم أهويت لأنزع خفيه فقال دعهما فإنى أدخلتهما طاهرتين ومسح عليهما متفق عليه وفي رواية وعليه جبة شامية ضيقة الكمين وفي رواية أن هذه القصة كانت في غزوة تبوك


استحباب القميص
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن


صفة طول القميص والكم والإزار وطرف العمامة وتحريم إسبال شيء من ذلك على سبيل الخيلاء وكراهته من غير خيلاء
عن أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله عنها قالت كان كم قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقال أبو بكر يارسول الله إن إزارى يسترخى إلا أن أتعاهده فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لست ممن يفعله خيلاء رواه البخاري وروى مسلم بعضه
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا متفق عليه
وعنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار رواه البخاري
وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار قال أبو ذر خابوا وخسروا من هم يا رسول الله قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب رواه مسلم وفي رواية له المسبل إزاره
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر شيئا خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة رواه أبو داود والنسائى بإسناد صحيح
وعن أبي جري جابر بن سليم رضي الله عنه قال رأيت رجلا يصدر الناس عن رأيه لا يقول شيئا إلا صدروا عنه قلت من هذا قالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت عليك السلام يا رسول الله مرتين قال لا تقل عليك السلام عليك السلام تحية الموتى قل السلام عليك قال قلت أنت رسول الله قال أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضر فدعوته كشفه عنك وإذا أصابك عام سنة فدعوته أنبتها لك وإذا كنت بأرض قفر أو فلاة فضلت راحلتك فدعوته ردها عليك قال قلت اعهد إلي قال لا تسبن أحدا قال فما سببت بعده حرا ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة ولا تحقرن من المعروف شيئا وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك إن ذلك من المعروف وارفع إزارك إلى نصف الساق فإن أبيت فإلى الكعبين وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة وإن امرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه فإنما وبال ذلك عليه رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح وقال الترمذي حديث حسن صحيح
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال بينما رجل يصلى مسبل إزاره قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب فتوضأ فذهب فتوضأ ثم جاء فقال اذهب فتوضأ فقال له رجل يا رسول الله مالك أمرته أن يتوضأ ثم سكت عنه قال إنه كان يصلى وهو مسبل إزاره إن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم
وعن قيس بن بشر التغلبي قال أخبرنى أبي وكان جليسا لأبي الدرداء قال كان بدمشق رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم يقال له سهل ابن الحنظلية وكان رجلا متوحدا قلما يجالس الناس إنما هو صلاة فإذا فرغ فإنما هو تسبيح وتكبير حتى يأتي أهله فمر بنا ونحن عند أبي الدرداء فقال له أبو الدرداء كلمة تنفعنا ولا تضرك قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فقدمت فجاء رجل منهم فجلس في المجلس الذي يجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل إلى جنبه لو رأيتنا حين التقينا نحن والعدو فحمل فلان فطعن فقال خذها منى وأنا الغلام الغفاري كيف ترى في قوله قال ما أراه إلا قد بطل أجره فسمع بذلك آخر فقال ما أرى بذلك بأسا فتنازعا حتى سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سبحان الله لا بأس أن يؤجر ويحمد فرأيت أبا الدرداء سر بذلك وجعل يرفع رأسه إليه ويقول أأنت سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول نعم فما زال يعيد عليه حتى إنى لأقول ليبركن على ركبتيه قال فمر بنا يوما آخر فقال له أبو الدرداء كلمة تنفعنا ولا تضرك قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المنفق على الخيل كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها ثم مر بنا يوما آخر فقال له أبو الدرداء كلمة تنفعنا ولا تضرك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم الرجل خريم الأسدي لولا طول جمته وإسبال إزاره فبلغ ذلك خريما فعجل فأخذ شفرة فقطع بها جمته إلى أذنيه ورفع إزاره إلى أنصاف ساقيه ثم مر بنا يوما آخر فقال له أبو الدرداء كلمة تنفعنا ولا تضرك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش رواه أبو داود بإسناد حسن إلا قيس بن بشر فاختلفوا في توثيقه وتضعفيه وقد روى له مسلم
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إزرة المسلم إلى نصف الساق ولا حرج أو لا جناح فيما بينه وبين الكعبين فما كان أسفل من الكعبين فهو في النار ومن جر إزاره بطرا لم ينظر الله إليه رواه أبو داود بإسناد صحيح
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء فقال يا عبد الله ارفع إزارك فرفعته ثم قال زد فزدت فما زلت أتحراها بعد فقال بعض القوم إلى أين فقال إلى أنصاف الساقين رواه مسلم
وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقالت أم سلمة فكيف تصنع النساء بذيولهن قال يرخين شبرا قالت إذن تنكشف أقدامهن قال فيرخينه ذراعا لا يزدن رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح



استحباب ترك الترفع في اللباس تواضعا
قد سبق في باب فضل الجوع وخشونة العيش جمل تتعلق بهذا الباب
وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ترك اللباس تواضعا لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها رواه الترمذي وقال حديث حسن



استحباب التوسط في اللباس ولا يقتصر على ما يزري به لغير حاجة ولا مقصود شرعي
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده رواه الترمذي وقال حديث حسن


تحريم لباس الحرير على الرجال وتحريم جلوسهم عليه واستنادهم إليه وجواز لبسه للنساء
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلبسوا الحرير فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة متفق عليه
وعنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنما يلبس الحرير من لا خلاق له متفق عليه وفي رواية للبخاري من لا خلاق له في الآخرة قوله من لا خلاق له أي لا نصيب له
وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة متفق عليه
وعن علي رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريرا فجعله في يمينه وذهبا فجعله في شماله ثم قال إن هذين حرام على ذكور أمتي رواه أبو داود بإسناد حسن
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح
وعن حذيفة رضي الله عنه قال نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه رواه البخاري


جواز لبس الحرير لمن به حكة
عن أنس رضي الله عنه قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما في لبس الحرير لحكة بهما متفق عليه


النهي عن افتراش جلود النمور والركوب عليها
عن معاوية رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تركبوا الخز ولا النمار حديث حسن رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن
وعن أبي المليح عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحاح وفي رواية الترمذي نهى عن جلود السباع أن تفترش


ما يقول إذا لبس ثوبا جديدا أو نعلا أو نحوه
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا سماه باسمه عمامة أو قميصا أو رداء يقول اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن


استحباب الابتداء باليمين في اللباس
قد تقدم مقصوده وذكرنا الأحاديث الصحيحة فيه

حكم القيام للقادم والتقبيل والمصافحة

ورد في تفسير الجلالين في صفحة (324) روى أنس بن مالك قال: (قلنا يا رسول الله، أينحني بعضنا إلى بعض إذا التقينا؟ قال: لا. قلنا: أفيعتنق بعضنا بعض؟ قال: لا. قلنا أفيصافح بعضنا بعضاً؟ قال نعم) وقال- صلى الله عليه وسلم-: (من سره أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار، وكان صلى الله عليه وسلم: لا يُنحنى له، ولا تقبل يده مع السلام)، وورد في كتاب تربية الأولاد في الإسلام -تأليف عبد الله علوان- تحت عنوان: تقبيل يد الكبير: أخرج أحمد والبخاري في الأدب الصغير، وأبو داود، وابن الأعرابي عن زارع وكان في وفد عبد القيس قال: (لما قدمنا المدينة جعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجله)، وروى البخاري في الأدب المفرد عن صهيب، قال: (رأيت علياً يقبل يد العباس ورجليه)، انتهى الكلام المنقول من المرجعين المذكورين، السؤال: أي الأقوال هو الصحيح، والواجب والسنة إتباعه في السلام جزاكم الله خيراً؟

أما الحديث الأول حديث أنس أنهم قال: (يا رسول الله! أيلقى أحدنا أخاه فينحني له؟ قال: لا. قالوا: فيلتزمه فيقبله؟ قال: لا ، قال: فيصافحه؟ قال: نعم) هذا الحديث ضعيف الإسناد عند أهل العلم ليس بصحيح ولكن معناه من جهة الانحناء صحيح لا يجوز الانحناء لأحد السلام لا يكون بالانحناء لا للكبير ولا للصغير, ولكن يسلم وهو منتصب بغير انحنى والسنة المصافحة, فإذا كان قدوم من سفر فالسنة المعانقة. قال أنس - رضي الله عنه - في الحديث الآخر رواه الطبراني بإسناد جيد: (كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا تلاقوا تصافحوا وإذا قدموا من سفر تعانقوا), وهكذا قال الشعبي عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -, وهكذا جاء في أحاديث أخرى كان الصحابة يتلاقون ويتصافحون, وكانوا يصافحون النبي-عليه الصلاة والسلام- فالسنة المصافحة عند التلاقي, وإذا عانق أخاه عند طول الغيبة, أو عند قدومه من السفر فلا حرج في ذلك, وقد جاء في هذا أخبار كثيرة تدل على أنه لا بأس بالمعانقة, ولا بأس من تقبيل ما بين العنين والرأس عند اللقاء عند القدوم من السفر, ومثلها طول الغيبة لا حرج في ذلك, أما الانحناء فلا يجوز الانحناء, وأما تقبيل اليد, أو الرجل فالأفضل تركه وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قبله بعض أصحابه في بعض الأحيان قبل يده, وبعضهم قبل قدمه, وثبت أن بعض اليهود قبلوا يده وقبلوا قدمه لكن هذا قليل فإذا فعله المؤمن مع شيخه, أو مع الإمام الكبير, أو مع العالم, أو مع والده بعض الأحيان فلا بأس, أما اتخاذه طريقة متبعة فلا ينبغي بل يكره, وإنما ينبغي له أن يعتاد المصافحة, وإذا قبل يد العالم, أو يد أبيه بعض الأحيان من غير اتخاذه عادة فلا حرج في ذلك إن شاء الله, وأما الحديث الثاني وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من أحب أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار) فهذا حديث صحيح, ولا يجوز للمؤمن أن يحب هذا لنفسه أن الناس يقومون له وينتصبون له تعظيماً له لا يجوز له أن يحب ذلك؛ لكن إذا قام إليه أخوه وقابله وأخذ بيده وصافحه فلا بأس بذلك, وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال للأنصار أو للصحابة جميعاً لما قدم سعد للحكم في بني قريضة قوموا إلى سيدكم يعني للسلام عليه والترحيب به, فالقيام إلى الشخص للترحيب به ومصافحته، وإنزاله من دابته, أو إنزاله في المجلس كل هذا لا بأس به, وثبت أيضاً في الصحيحين أن طلحة بن عبيد الله التيمي - رضي الله عنه - أحد العشرة المشهود لهم بالجنة لما جاء كعب يوم تاب الله عليه ودخل المسجد والناس حول النبي - صلى الله عليه وسلم - قام إليه طلحة مهرول فصافحه وهنأه بتوبة الله عليه, ولم ينكر ذلك النبي-عليه الصلاة والسلام-وكان النبي يقوم إلى فاطمة إذا دخلت عليه فيصافحها, ويقبلها, ويجلسها في مكانه, وكانت تقوم إليه إذا دخل عليها - رضي الله عنها - وتقبله وتأخذ بيده كل هذا لا بأس به, أما أن يقوم الناس قياماً تعظيماً للشخص عند دخوله فقط فلا ينبغي هذا كان النبي يكره ذلك, وكان الصحابة لا يقومون لكراهته لهذا- عليه الصلاة والسلام- أما أن تقوم لمقابلته ومصافحته وإجلاسه في مكانك, أو في مكان آخر مناسب, أو تصافحه وتنزله من دابته, أو من سيارته وتساعده في ذلك, أو للترحيب به وتكريمه كل هذا لا بأس به. بارك الله فيكم

Friday, 21 January 2011

سبب التسمية بالرافضة

Friday, 21 January 2011 0
في آخر ولاية بني أمية، خرج رجل من ذرية علي وهو أخو زين العابدين اسمه زيد بن الحسين، ولما خرج دعا الناس إلى بيعته، فجاءه بعض الذين في العراق، فقالوا: نبايعك على أن تتبرأ من أبي بكر وعمر! ـ وذلك لأنهم قد ارتسم في أذهانهم أنهما أكفر من أبي جهل وفرعون فلا بد أن يتبرأ منهما، ولكنه رضي الله عنه امتنع من ذلك، وقال: هما صاحبا جدي فلا أتبرأ منهما، قالوا: إذن نرفضك، فرفضوه، فمن ثم عرفوا بهذا الاسم، هذا هو اسمهم الذي ينطبق عليهم في ذلك الوقت.  هم الآن لا يعترفون به، بل يشنعون على من سماهم بهذا الاسم، مع أنهم هم الذين سموا أنفسهم وسماهم زيد أخو أحد أئمتهم، الذي هو زين العابدين أحد الأئمة الاثني عشر، ثم إن الذين بايعوه سموا بالزيدية، فالزيدية هم الذين يوالون أبا بكر وعمر وأكثر الصحابة، ولكنهم يتبرؤون من بني أمية، أما الذين خالفوه فهم معروفون بالرافضة.

Monday, 17 January 2011

هل تزوج يوسف عليه السلام من امرأة العزيز في آخر الأمر؟

Monday, 17 January 2011 0
السؤال : هل تزوج نبي الله يوسف في النهاية من المرأة التي كانت همت به ؟ أرجو أن تجيبوني على سؤالي ، وتزودوني بمصدر الإجابة إذا كان الجواب بالإيجاب .
الجواب :
الحمد لله
لم يرد في القرآن الكريم ، ولا في السنة النبوية ، ما يثبت أو ينفي زواج يوسف عليه السلام من امرأة العزيز والتي قيل إن اسمها "راعيل" ، وقال بعضهم : اسمها "زليخا" ، ولكن استظهر الحافظ ابن كثير أن " زليخا " لقبها .
وورد في زواج يوسف عليه السلام من "راعيل" خبرٌ عن إمام السير والتاريخ المعروف : محمد بن إسحاق رحمه الله حيث يقول :
"لما قال يوسف للملك : (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) قال الملك : قد فعلت ! فولاه فيما يذكرون عمل إطفير ، وعزل إطفير عما كان عليه ، يقول الله : (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء) ، الآية .
قال : فذكر لي - والله أعلم - أن إطفير هَلَك في تلك الليالي ، وأن الملك الرَّيان بن الوليد ، زوَّج يوسف امرأة إطفير "راعيل" ، وأنها حين دخلت عليه قال : أليس هذا خيرًا مما كنت تريدين ؟ قال : فيزعمون أنها قالت : أيُّها الصديق ، لا تلمني ، فإني كنت امرأة كما ترى حسنًا وجمالاً ، ناعمةً في ملك ودنيا ، وكان صاحبي لا يأتي النساء ، وكنتَ كما جعلكَ الله في حسنك وهيئتك ، فغلبتني نفسي على ما رأيت .
فيزعمون أنه وجدَها عذراء ، فأصابها ، فولدت له رجلين : أفرائيم بن يوسف ، وميشا بن يوسف ، وولد لأفرائيم نون ، والد يوشع بن نون ، ورحمة امرأة أيوب عليه السلام" انتهى .
رواه ابن أبي حاتم في " التفسير " (7/2161)، والطبري في " جامع البيان " (16/151) .
وورد نحوه عن زيد بن أسلم التابعي الجليل ، وعن وهب بن منبه المعروف بالرواية عن الإسرائيليات .
نقل ذلك السيوطي في " الدر المنثور " (4/553) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
"الباب السابع والعشرون فيمن ترك محبوبه حراما فبذل له حلالاً أو أعاضه الله خيراً منه : عنوان هذا الباب وقاعدته أنَّ مَن ترك لله شيئاً عوضه الله خيراً منه ، كما ترك يوسف الصديق عليه السلام امرأة العزيز لله ، واختار السجن على الفاحشة ، فعوضه الله أن مكَّنه في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء ، وأتته المرأة صاغرة سائلة راغبة في الوصل الحلال ، فتزوجها فلما دخل بها قال : هذا خير مما كنت تريدين .
فتأمل كيف جزاه الله سبحانه وتعالى على ضيق السجن ، أن مكَّنه في الأرض ينزل منها حيث يشاء ، وأذل له العزيز امرأته ، وأقرت المرأة والنسوة ببراءته ، وهذه سنته تعالى في عباده قديماً وحديثاً إلى يوم القيامة" انتهى من "روضة المحبين" (ص/445) .
وهذا لا يعني القطع بثبوت هذه القصة ، بل الظاهر أنها مأخوذة عن أهل الكتاب ، وقد أمرنا بعدم تصديقهم وعدم تكذيبهم أيضاً ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) رواه البخاري (4485) وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (422) .
والله أعلم

حكم طلب الوِلاية أو الإمارة أو القضاء

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في فوائد قوله تعالى عن سليمان – عليه السلام - ( وهب لي ملكاً ) :

( اختلف أهل العلم في جواز سؤال الإمارة، هل يجوز للإنسان أن يسأل الإمارة أو القضاء أو ما أشبهها من الولايات؟! منهم من قال: إن ذلك جائز، ومنهم من قال: إنه محرم، ومنهم من فصَّل.

أما من قال إنه جائز، فاستدلوا بقصة يوسف، حيث قال لملك مصر: ( اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ) [يوسف: 55] فسأل الولاية، وشرعُ من قبلنا شرعٌ لنا، ما لم يرد في شرعنا ما يخالفه.

كما استدلوا بحديث عثمان بن أبي العاص حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم : اجلعني إمام قومي، قال: "أنت إمامهم".

أما من منع ذلك، فاستدل بحديث عبدالرحمن بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وُكلت إليها، وإن أُعطيتها من غير مسألة، أُعنت عليها".

فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل الإمارة، وبين له السبب، أن من أعطيها عن مسألة، وُكل إليها، ولم يعنه الله، ومن أتته من دون مسألة، أعانه الله عليها.

واستدلوا أيضاً بأن رجلاً طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون عاملاً، فقال: "إنا لا نولي هذا الأمر أحداً سأله"، وهذا يدل على أنه لا يُسأل، وأن من سأل، فليس أهلاً لأن يولى.

وفصَّل آخرون، فقالوا: إن سألها لإصلاح ما فسد منها، فإن ذلك جائز، إذا علم من نفسه القدرة، وإلا فلا يجوز، لأن السلامة للإنسان أسلم.

وهذا القول التفصيلي هو الصحيح، لأن به تجتمع الأدلة، فإن الإنسان مثلاً، إذا رأى ولاية قام عليها شخص ليس أهلاً لها، إما في دينه، أو أمانته، وتصرفه، وهو يعلم من نفسه القدرة على القيام بها على أحسن حال، أو على الأقل بوجه أحسن مما كانت عليه، فلا بأس أن يسألها، لأن غرضه بذلك غرضٌ عملي وإصلاحي ، وليس غرضه شخصياً.

أما إذا لم يكن هنالك سبب، أو يعرف الإنسان من نفسه أنه ضعيف لا يستطيع القيام به، فلا يسأل، ولا يجوز أن يسأل ) . ( تفسير سورة ص ، ص 175-177) .

اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ

قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (57

يوسف
من الاية 55 الى الاية 57



استطراد لتعليل طلبه الحكم


وهنا تعرض شبهة . . أليس في قول يوسف - عليه السلام -: (اجعلني على خزائن الأرض , إني حفيظ عليم). . أمران محظوران في النظام الإسلامي:
أولهما:طلب التولية , وهو محظور بنص قول الرسول [ ص ]:" إنا والله لا نولي هذا العمل أحدا سأله [ أو حرص عليه ] " . . [ متفق عليه ] .
وثانيهما:تزكية النفس , وهي محظورة بقوله تعالى: (فلا تزكوا أنفسكم)?
ولا نريد أن نجيب بأن هذه القواعد إنما تقررت في النظام الإسلامي الذي تقرر على عهد محمد رسول الله [ ص ] وأنها لم تكن مقررة على أيام يوسف - عليه السلام - والمسائل التنظيمية في هذا الدين ليست موحدة كأصول العقيدة , الثابتة في كل رسالة وعلى يد كل رسول . .
لا نريد أن نجيب بهذا , وإن كان له وجه , لأننا نرى أن الأمر في هذه المسألة أبعد أعماقا , وأوسع آفاقا من أن يرتكن إلى هذا الوجه ; وأنه إنما يرتكن إلى اعتبارات أخرى لا بد من إدراكها , لإدراك منهج الاستدلال من الأصول والنصوص , ولإعطاء أصول الفقه وأحكامه تلك الطبيعة الحركية الأصيلة في كيانها , والتي خمدت وجمدت في عقول الفقهاء وفي عقلية الفقه كلها في قرون الخمود والركود !
إن الفقه الإسلامي لم ينشأ في فراغ , كما أنه لا يعيش ولا يفهم في فراغ ! . . لقد نشأ الفقه الإسلامي في مجتمع مسلم , ونشأ من خلال حركة هذا المجتمع في مواجهة حاجات الحياة الإسلامية الواقعية . كذلك لم يكن الفقه الإسلامي هو الذي أنشأ المجتمع المسلم ; إنما كان المجتمع المسلم بحركته الواقعية لمواجهة حاجات الحياة الإسلامية هو الذي أنشأ الفقه الإسلامي . .
وهاتان الحقيقتان التاريخيتان الواقعيتان عظيمتا الدلالة ; كما أنهما ضروريتان لفهم طبيعة الفقه الإسلامي ; وإدراك الطبيعة الحركية للأحكام الفقهية الإسلامية .
والذين يأخذون اليوم تلك النصوص والأحكام المدونة , دون إدراك لهاتين الحقيقتين ; ودون مراجعة للظروف والملابسات التي نزلت فيها تلك النصوص ونشأت فيها تلك الأحكام , ودون استحضار لطبيعة الجو والبيئة والحالة التي كانت تلك النصوص تلبيها وتوجهها ; وكانت تلك الأحكام تصاغ فيها وتحكمها وتعيش فيها . . الذين يفعلون ذلك ; ويحاولون تطبيق هذه الأحكام كأنها نشأت في فراغ ; وكأنها اليوم يمكن أن تعيش في فراغ . . هؤلاء ليسوا "فقهاء" ! وليس لهم "فقه" بطبيعة الفقه ! وبطبيعة هذا الدين أصلا !
إن "فقه الحركة " يختلف إختلافا أساسيا عن "فقه الأوراق" مع استمداده أصلا وقيامه على النصوص التي يقوم عليها ويستمد منها "فقه الأوراق" !
إن فقه الحركة يأخذ في اعتباره "الواقع" الذي نزلت فيه النصوص , وصيغت فيه الأحكام . ويرى أن ذلك الواقع يؤلف مع النصوص والأحكام مركبا لا تنفصل عناصره . فإذا انفصلت عناصر هذا المركب فقد طبيعته , واختل تركيبه !
ومن ثم فليس هنالك حكم فقهي واحد مستقل بذاته , يعيش في فراغ , لا تتمثل فيه عناصر الموقف والجو والبيئة والملابسات التي نشأ نشأته الأولى فيها . . إنه لم ينشأ في فراغ ومن ثم لا يستطيع أن يعيش في فراغ !
ونأخذ مثالا لهذا التقرير العام هذا الحكم الفقهي الإسلامي بعدم تزكية النفس وعدم ترشيحها للمناصب ,وهو المأخوذ من قوله تعالى: (فلا تزكوا أنفسكم)ومن قول رسول الله [ ص ] " إنا والله لا نولي هذا العمل أحدا سأله " . .
لقد نشأ هذا الحكم - كما نزلت تلك النصوص - في مجتمع مسلم ; ليطبق في هذا المجتمع ; وليعيش في هذا الوسط ; وليلبي حاجة ذلك المجتمع . وفق نشأته التاريخية , ووفق تركيبه العضوي , ووفق واقعه الذاتي . فهو من ثم حكم إسلامي جاء ليطبق في مجتمع إسلامي . . وقد نشأ في وسط واقعي ولم ينشأ في فراغ مثالي . وهو من ثم لا يطبق ولا يصلح ولا ينشىءآثاره الصحيحة إلا إذا طبق في مجتمع إسلامي . . إسلامي في نشأته , وفي تركيبه العضوي , وفي التزامه بشريعة الإسلام كاملة . . وكل مجتمع لا تتوافر فيه هذه المقومات كلها يعتبر "فراغا" بالقياس إلى ذلك الحكم , لا يملك أن يعيش فيه , ولا يصلح له , ولا يصلحه كذلك !
. . ومثل هذا الحكم كل أحكام النظام الإسلامي . وإن كنا في هذا المقام لا نفصل إلا هذا الحكم بمناسبة ذلك السياق القرآني . .
ونريد أن نفهم لماذا لا يزكي الناس أنفسهم في المجتمع المسلم , ولا يرشحون أنفسهم للوظائف , ولا يقومون لأشخاصهم بدعاية ما كي يختاروا لمجلس الشوري أو للإمامة أو للإمارة . .
إن الناس في المجتمع المسلم لا يحتاجون لشيء من هذا لإبراز أفضليتهم وأحقيتهم . كما أن المناصب والوظائف في هذا المجتمع تكليف ثقيل لا يغري أحدا بالتزاحم عليه - اللهم إلا ابتغاء الأجر بالنهوض بالواجب وللخدمة الشاقة ابتغاء رضوان الله تعالى - ومن ثم لا يسأل المناصب والوظائف إلا المتهافتون عليها لحاجة في نفوسهم . وهؤلاء يجب أن يمنعوها !
ولكن هذه الحقيقة لا تفهم إلا بمراجعة النشأة الطبيعية للمجتمع المسلم , وإدراك طبيعة تكوينه العضوي أيضا . .
إن الحركة هي العنصر المكون لذلك المجتمع . فالمجتمع المسلم وليد الحركة بالعقيدة الإسلامية . .
أولا:تجيء العقيدة من مصدرها الإلهي متمثلة في تبليغ الرسول وعمله - على عهد النبوات - أو متمثلة في دعوة الداعية بما جاء من عند الله وما بلغه رسوله - على مدار الزمان بعد ذلك - فيستجيب للدعوة ناس ; يتعرضون للأذى والفتنة من الجاهلية الحاكمة السائدة في أرض الدعوة . فمنهم من يفتن ويرتد , ومنهم من يصدق ما عاهد الله عليه فيقضي نحبه شهيدا ومنهم من ينتظر حتى يحكم الله بينه وبين قومه بالحق . .
هؤلاء يفتح الله عليهم , ويجعل منهم ستارا لقدره , ويمكن لهم في الأرض تحقيقا لوعده بنصر من ينصره , والتمكين في الأرض له , ليقيم مملكة الله في الأرض - أي لينفذ حكم الله في الأرض - ليس له من هذا النصر والتمكين شيء ; إنما هو نصر لدين الله , وتمكين لربوبية الله في العباد .
وهؤلاء لا يقفون بهذا الدين عند حدود أرض معينة ; ولا عند حدود جنس معين ; ولا عند حدود قوم أو لون أو لغة أو مقوم واحد من تلك المقومات البشرية الأرضية الهزيلة السخيفة ! إنما ينطلقون بهذه العقيدة الربانية ليحرروا "الإنسان" . . كل الإنسان:في "الأرض" . . كل الأرض . . من العبودية لغير الله ; وليرفعوه عن العبودية للطواغيت أيا كانت هذه الطواغيت .
وفي أثناء الحركة بهذا الدين - وقد لاحظنا أنها لا تتوقف عند إقامة الدولة المسلمة في بقعة من الأرض , ولا تقف عند حدود أرض أو جنس أو قوم - تتميز أقدار الناس , وتتحدد مقاماتهم في المجتمع , ويقوم هذا التحديد وذلك التميز على موازين وقيم إيمانية , الجميع يتعارفون عليها , من البلاء في الجهاد , والتقوى والصلاح والعبادة والأخلاق والقدرة والكفاءة . . وكلها قيم يحكم عليها الواقع , وتبرزها الحركة , ويعرفها المجتمع ويعرف المتسمين بها . . ومن ثم لا يحتاج أصحابها أن يزكوا أنفسهم , ولا أن يطلبوا الإمارة أو مراكز الشورى والتوجيه على أساس هذه التزكية . .
وفي المجتمع المسلم الذي نشأ هذه النشأة , وقام تركيبه العضوي على أساس التميز في أثناء الحركة بتلك القيم الإيمانية - كما حدث في المجتمع المسلم من تميز السابقين من المهاجرين ثم الأنصار , وأهل بدر , وأهل بيعة الرضوان , ومن أنفق من قبل الفتح وقاتل - ثم ظل يتميز الناس فيه بحسن البلاء في الإسلام . . في هذا المجتمع لا يبخس الناس بعضهم بعضا , ولا ينكر الناس فضائل المتميزين - مهما غلب الضعف البشري أصحابه أحيانا فغلبتهم الأطماع - وعندئذ تنتفي الحاجة - من جانب آخر - إلى أن يزكي المتميزون أنفسهم ويطلبوا الإمارة أو مراكز الشورى والتوجيه على أساس هذه التزكية . .
ولقد يخيل للناس الآن أن هذه خاصية متفردة للمجتمع المسلم الأول بسبب نشأته التاريخية ! ولكنهم ينسون أن أي مجتمع مسلم لن يوجد إلا بمثل هذه النشأة . . لن يوجد اليوم أو غدا , إلا أن تقوم دعوة لإدخال الناس في هذا الدين من جديد , وإخراجهم من الجاهلية التي صاروا إليها . . وهذه نقطة البدء . . ثم تعقبها الفتنة والابتلاء - كما حدث أول مرة - فأما ناس فيفتنون ويرتدون ! وأما ناس فيصدقون ما عاهدوا الله عليه فيقضون نحبهم ويموتون شهداء . وأما ناس فيصبرون ويصابرون ويصرون على الإسلام , ويكرهون أن يعودوا إلى الجاهلية كما يكره أحدهم أن يلقى في النار ; حتى يحكم الله بينهم وبين قومهم بالحق , ويمكن لهم في الأرض - كما مكن للمسلمين أول مرة - فيقوم في أرض من أرض الله نظام إسلامي . . ويومئذ تكون الحركة من نقطة البدء إلى قيام النظام الإسلامي قد ميزت المجاهدين المتحركين إلى طبقات إيمانية , وفق الموازين والقيم الإيمانية . . ويومئذ لن يحتاج هؤلاء إلى ترشيح أنفسهم وتزكيتها , لأن مجتمعهم الذي جاهد كله معهم يعرفهم ويزكيهم ويرشحهم !
ولقد يقال بعد هذا:ولكن هذا يكون في المرحلة الأولى . فإذا استقر المجتمع بعد ذلك ? وهذا سؤال من لا يعرف طبيعة هذا الدين ! إن هذا الدين يتحرك دائما ولا يكف عن الحركة . . يتحرك لتحرير "الإنسان" . كل الإنسان . . في "الأرض" . . كل الأرض . . من العبودية لغير الله ; وليرفعه عن العبودية للطواغيت ; بلا حدود من الأرض أو الجنس أو القوم أو أي مقوم من المقومات البشرية الأرضية الهزيلة السخيفة !
وإذن فستظل الحركة - التي هي طبيعة هذا الدين الأصيلة - تميز أصحاب البلاء وأصحاب الكفايات والمواهب ; ولا تقف أبدا ليركد هذا المجتمع ويأسن - إلا أن ينحرف عن الإسلام - وسيظل الحكم الفقهي - الخاص بتحريم تزكية النفس وطلب العمل على أساس هذه التزكية - قائما وعاملا في محيطه الملائم . . ذات المحيط الذي نشأ أول مرة وعمل فيه .
ثم يقال:ولكن المجتمع حين يتسع لا يعرف الناس بعضهم بعضا ; ويصبح الأكفاء الموهوبون في حاجة إلى الإعلان عن أنفسهم وتزكيتها وطلب العمل على أساس هذه التزكية !
وهذا القول كذلك وهم ناشيء من التأثر بواقع المجتمعات الجاهلية الحاضرة . . إن المجتمع المسلم يكونأهل كل محلة فيه متعارفين متواصلين متكافلين - كما هي طبيعة التربية والتكوين والتوجيه , والالتزام في المجتمع المسلم - ومن ثم يكون أهل كل محلة عارفين بأصحاب الكفايات والمواهب فيهم ; موزونة هذه الكفايات والمواهب بموازين وقيم إيمانية ; فلا يعز عليهم أن ينتدبوا هم من بينهم أهل البلاء والتقوى والكفاية . . سواء لمجلس الشورى أو للشؤون المحلية . أما الإمارات العامة فيختار لها الإمام - الذي اختارته الأمة بعد ترشيح أهل الحل والعقد - أو أهل الشورى - له . . يختار لها من بين مجموعة الرجال المختارين الذين ميزتهم الحركة . والحركة دائبة كما قلنا في المجتمع المسلم , والجهاد ماض إلى يوم القيامة .
إن الذين يفكرون في النظام الإسلامي اليوم وتشكيلاته - أو يكتبون - يدخلون في متاهة ! ذلك أنهم يحاولون تطبيق قواعد النظام الإسلامي وأحكامه الفقهية المدونة في فراغ ! يحاولون تطبيقها في هذا المجتمع الجاهلي القائم , بتركيبه العضوي الحاضر ! وهذا المجتمع الجاهلي الحاضر يعتبر - بالقياس إلى طبيعة النظام الإسلامي وأحكامه الفقهية - فراغا لا يمكن أن يقوم فيه هذا النظام ولا أن تطبق فيه هذه الأحكام . . إن تركيبه العضوي مناقض تماما للتركيب العضوي للمجتمع المسلم . فالمجتمع المسلم - كما قلنا - يقوم تركيبه العضوي على أساس ترتيب الشخصيات والفئات كما ترتبها الحركة لإقرار هذا النظام في عالم الواقع , ولمجاهدة الجاهلية لإخراج الناس منها إلى الإسلام . مع تحمل ضغوط الجاهلية وما توجهه من قتنة وإيذاء وحرب على هذه الحركة , والصبر على الابتلاء وحسن البلاء من نقطة البدء إلى نقطة الفصل في نهاية المطاف . أما المجتمع الجاهلي الحاضر فهو مجتمع راكد , قائم على قيم لا علاقة لها بالإسلام , ولا بالقيم الإيمانية . . وهو - من ثم - يعد بالقياس إلى النظام الإسلامي وأحكامه الفقهية فراغا لا يعيش فيه هذا النظام ولا تقوم فيه هذه الأحكام !
هؤلاء الكاتبون الباحثون عن حل لتطبيق قواعد النظام وتشكيلاته وأحكامه الفقهية يحيرهم - أول ما يحيرهم - طريقة اختيار أهل الحل والعقد - أو أهل الشورى - من غير ترشيح من أنفسهم ولا تزكية ! كيف يمكن هذا في مثل هذه المجتمعات التي نعيش فيها والناس لا يعرف بعضهم بعضا ولا يزنون كذلك بموازين الكفاية والنزاهة والأمانة ! كذلك تحيرهم طريقة اختيار الإمام ? أيكون الاختيار من عامة الشعب أم يكون من ترشيح أهل الحل والعقد ? وإذا كان الإمام سيختار أهل الحل والعقد - متابعة لعدم تزكيتهم لأنفسهم أو ترشيحها - فكيف يعودون هم فيختارون الإمام ? ألا يؤثر هذا في ميزانهم ? ثم إذا كانوا هم الذين سيعودون فيرشحون الإمام ? ألا تكون لهم ولاية عليه وهو الإمام الأعظم ? ثم ألا يجعله هذا يختار أشخاصا يضمن ولاءهم له , ويكون هذا هو العنصر الأول في اعتباره ? . . .
وأسئلة أخرى كثيرة لا يجدون لها جوابا في هذه المتاهة !
أنا أعرف نقطة البدء في هذه المتاهة . . إنها هي افتراض أن هذا المجتمع الجاهلي الذي نعيش فيه مجتمع مسلم ; وأن قواعد النظام الإسلامي وأحكامه الفقهية سيجاء بها لتطبق على هذا المجتمع الجاهلي بتركيبه العضوي الحاضر , وبقيمه وأخلاقه الحاضرة !
هذه نقطة البدء في المتاهة . . ومتى بدأ منها الباحث فإنه يبدأ في فراغ , ويوغل في هذا الفراغ , حتى يبعد في التيه , وحتى يأخذه الدوار! !
إن هذا المجتمع الجاهلي الذي نعيش فيه ليس هو المجتمع المسلم , ومن ثم لن يطبق فيه النظام الإسلامي ولن تطبق فيه الأحكام الفقهية الخاصة بهذا النظام . . لن تطبق لاستحالة هذا التطبيق الناشئة من أن قواعد النظامالإسلامي وأحكامه الفقهية لا يمكن أن تتحرك في فراغ ; لأنها بطبيعتها لم تنشأ في فراغ , ولم تتحرك في فراغ كذلك !
إن المجتمع الإسلامي ينشأ بتركيب عضوي آخر غير التركيب العضوي للمجتمع الجاهلي . . ينشأ من أشخاص ومجموعات وفئات جاهدت - في وجه الجاهلية - لإنشائه ; وتحددت أقدارها وتميزت مقاماتها في ثنايا تلك الحركة .
إنه مجتمع جديد . . ومجتمع وليد . . ومجتمع متحرك دائما في طريقه لتحرير "الإنسان" , . . كل الإنسان . . في" الأرض " . . كل الأرض . . من العبودية لغير الله , ولرفع هذا الإنسان عن ذلة العبودية للطواغيت . . أيا كانت هذه الطواغيت . .
ومثل قضية التزكية وطلب الإمارة , واختيار الإمام , واختيار أهل الشورى . . . وما إليها . . . قضايا كثيرة تثار , ويطرقها الباحثون في الإسلام . . في الفراغ . . في هذا المجتمع الجاهلي الذي نعيش فيه . . بتركيبه العضوي المختلف تماما عن التركيب العضوي للمجتمع المسلم . . وبقيمه وموازينه واعتباراته وأخلاقه ومشاعره وتصوراته المختلفة تماما عن قيم المجتمع المسلم وموازينه واعتباراته و أخلاقه ومشاعره وتصوراته . .
أعمال البنوك وأساسها الربوي . . شركات التأمين وقاعدتها الربوية . . تحديد النسل وما أدري ماذا ?! إلى آخر هذه "المشكلات" التي يشغل "الباحثون" بها أنفسهم أو يجيبون فيها عن استفتاءات توجه إليهم . . إنهم جميعا - مع الأسف - يبدأون من نقطة البدء في المتاهة ! يبدأون من افتراض أن قواعد النظام الإسلامي وأحكامه سيجاء بها لتطبق على هذه المجتمعات الجاهلية الحاضرة بتركيبها العضوي الحاضر ; فتنتقل هذه المجتمعات إذن - متى طبقت عليها أحكام الإسلام - إلى الإسلام !
وهي تصورات مضحكة لولا أنها محزنة !
إن الفقه الإسلامي بكل أحكامه ليس هو الذي أنشأ المجتمع المسلم . إنما المجتمع المسلم بحركته - في مواجهة الجاهلية ابتداء - ثم بحركته في مواجهة حاجة الحياة الحقيقية ثانيا , هو الذي أنشأ الفقه الإسلامي مستمدا من أصول الشريعة الكلية . . والعكس لا يمكن أن يكون أصلا !
إن الفقه الإسلامي لا ينشأ في فراغ , ولا يعيش في فراغ كذلك . . لا ينشأ في الأدمغة والأوراق ; إنما ينشأ في واقع الحياة . وليست أية حياة . إنما هي حياة المجتمع المسلم على وجه التحديد . . ومن ثم لا بد أن يوجد المجتمع المسلم أولا بتركيبه العضوي الطبيعي ; فيكون هو الوسط الذي ينشأ فيه الفقه الإسلامي ويطبق . . وعندئذ تختلف الأمور جدا . .
وساعتها قد يحتاج ذلك المجتمع الخاص - بعد نشأته في مواجهة الجاهلية وتحركه في مواجهة الحياة - إلى البنوك وشركات التأمين وتحديد النسل . . . الخ وقد لا يحتاج ! ذلك أننا لا نملك سلفا أن نقدر أصل حاجته , ولا حجمها , ولا شكلها , حتى نشرع لها سلفا ! كما أن ما لدينا من أحكام هذا الدين لا يطابق حاجات المجتمعات الجاهلية ولا يلبيها . . ذلك أن هذا الدين لا يعترف ابتداء بشرعية وجود هذه المجتمعات الجاهلية ولا يرضى ببقائها . ومن ثم فهو لا يعني نفسه بالاعتراف بحاجاتها الناشئة من جاهليتها ولا بتلبيتها كذلك !
إن المحنة الحقيقية لهؤلاء الباحثين أنهم يتصورون أن هذا الواقع الجاهلي هو الأصل , الذي يجب على دين الله أن يطابق نفسه عليه ! ولكن الأمر غير ذلك تماما . . إن دين الله هو الأصل الذي يجب على البشريةأن تطابق نفسها عليه ; وأن تحور من واقعها الجاهلي وتغير حتى تتم هذه المطابقة . . ولكن هذا التحور وهذا التغير لا يتمان عادة إلا عن طريق واحد . . هو التحرك - في وجه الجاهلية - لتحقيق ألوهية الله في الأرض وربوبيته وحده للعباد , وتحرير الناس من العبودية للطاغوت , بتحكيم شريعة الله وحدها في حياتهم . . وهذه الحركة لا بد أن تواجه الفتنة والأذى والابتلاء . فيفتن من يفتن ويرتد من يرتد , ويصدق الله من يصدقه فيقضي نحبه ويستشهد , ويصبر من يصبر ويمضي في حركته حتى يحكم الله بينه وبين قومه بالحق , وحتى يمكن الله له في الأرض , وعندئذ فقط يقوم النظام الإسلامي , وقد انطبع المتحركون لتحقيقه بطابعه , وتميزوا بقيمه . . وعندئذ تكون لحياتهم مطالب وحاجات تختلف في طبيعتها وفي طرق تلبيتها عن حاجات المجتمعات الجاهلية ومطالبها وطرق تلبيتها . . وعلى ضوء واقع المجتمع المسلم يومذاك تستنبط الأحكام ; وينشأ فقه إسلامي حي متحرك - لا في فراغ - ولكن في وسط واقعي محدد المطالب والحاجات والمشكلات . .
ومن ذا الذي يدرينا اليوم مثلا أن يكون الناس في مجتمع مسلم تجبى فيه الزكاة وتنفق في مصارفها , ويقوم فيه التراحم والتكافل بين أهل كل محلة , ثم بين كل أفراد الأمة , وتقوم حياة الناس فيه على غير السرف والترف والمخيلة والتكاثر . . إلى آخر مقومات الحياة الإسلامية . . من يدرينا أن مجتمعا كهذا سيكون في حاجة إلى شركات تأمين أصلا ?! وعنده كل تلك التأمينات والضمانات مع تلك الملابسات والقيم والتصورات ?! وإذا احتاج إلى نوع من التأمين فمن يدرينا أنه سيكون هو هذا النوع المعروف في المجتمع الجاهلي , المنبثق من حاجات هذا المجتمع الجاهلي وملابساته وقيمه وتصوراته ?!
وكذلك من يدرينا أن المجتمع المسلم المتحرك المجاهد سيكون في حاجة إلى تحديد النسل مثلا ? . . وهكذا . . وإذا كنا لا نملك افتراض أصل حاجات المجتمع حين يكون مسلما ولا حجم هذه الحاجات أو شكلها , بسبب اختلاف تركيبه العضوي عن تركيب المجتمع الجاهلي , واختلاف تصوراته ومشاعره وقيمه وموازينه . . فما هذا الضنى في محاولة تحوير وتطوير وتغيير الأحكام المدونة لكي تطابق حاجات هي في ضمير الغيب , شأنها شأن وجود المجتمع المسلم ذاته !
إن نقطة البدء في المتاهة - كما قلنا - هي افتراض أن هذه المجتمعات القائمة هي المجتمعات الإسلامية ; وأنه سيجاء بأحكام الفقه الإسلامي من الأوراق لتطبق عليها , وهي بهذا التركيب العضوي ذاته , وبالتصورات والمشاعر والقيم والموازين ذاتها .
كما أن أصل المحنة هو الشعور بأن واقع هذه المجتمعات الجاهلية وتركيبها الحاضر هو الأصل الذي يجب على دين الله أن يطابق نفسه عليه . وأن يحور ويطور ويغير في أحكامه ليلاحق حاجات هذه المجتمعات ومشكلاتها . . حاجاتها ومشكلاتها المنبثقة أصلا من مخالفتها للإسلام ومن خروج حياتها جملة من إطاره !
ونحسب أنه قد آن للإسلام أن يستعلي في نفوس دعاته , فلا يجعلوه مجرد خادم للأوضاع الجاهلية , والمجتمعات الجاهلية , والحاجات الجاهلية . وأن يقولوا للناس - وللذين يستفتونهم بوجه خاص - تعالوا أنتم أولا إلى الإسلام , وأعلنوا خضوعكم سلفا لأحكامه . . أو بعبارة أخرى . . تعالوا أنتم أولا فادخلوا في دين الله , وأعلنوا عبوديتكم لله وحده , واشهدوا أن لا إله إلا الله بمدلولها الذي لا يقوم الإيمان والإسلام إلا به . وهو إفراد الله بألوهيته في الأرض كإفراده بالألوهية في السماء ; وتقرير ربوبيته - أي حاكميته وسلطانه - وحده في حياة الناس بجملتها . وتنحية ربوبية العباد للعباد , بتنحية حاكمية العباد للعباد , وتشريع العباد للعباد .
وحين يستجيب الناس - أو الجماعة منهم - لهذا القول , فإن المجتمع المسلم يكون قد بدأ أولى خطواته في الوجود . وهذا المجتمع يكون حينئذ هو الوسط الواقعي الحي الذي ينشأ فيه الفقه الإسلامي الحي وينمو , لمواجهة حاجات ذلك المجتمع المستسلم لشريعة الله فعلا . .
فأما قبل قيام هذا المجتمع فالعمل في حقل الفقه والأحكام التنظيمية هو مجرد خداع للنفس , باستنبات البذور في الهواء , ولن ينبت الفقه الإسلامي في الفراغ , كما أنه لن تنبت البذور في الهواء !
إن العمل في الحقل "الفكري" للفقه الإسلامي عمل مريح ! لأنه لاخطر فيه ! ولكنه ليس عملا للإسلام ; ولا هو من منهج هذا الدين ولا من طبيعته ! وخير للذين ينشدون الراحة والسلامة أن يشتغلوا بالأدب وبالفن أو بالتجارة ! أما الاشتغال بالفقه الآن على ذلك النحو بوصفه عملا للإسلام في هذه الفترة فأحسب - والله أعلم - أنه مضيعة للعمر وللأجر أيضا !
إن دين الله يأبى أن يكون مجرد مطية ذلول , ومجرد خادم مطيع , لتلبية هذا المجتمع الجاهلي الآبق منه , المتنكر له , الشارد عنه . . الذي يسخر منه الحين بعد الحين باستفتائه في مشكلاته وحاجاته ; وهو غير خاضع لشريعته وسلطانه . .
إن فقه هذا الدين وأحكامه لا تنشأ في فراغ , ولا تعمل في فراغ . . وإن المجتمع المسلم الخاضع لسلطان الله ابتداء هو الذي صنع هذا الفقه وليس الفقه هو الذي صنع ذلك المجتمع . . ولن تنعكس الآية أبدا .
إن خطوات النشأة الإسلامية ومراحلها هي دائما واحدة ; والانتقال من الجاهلية إلى الإسلام لن يكون يوما ما سهلا ولا يسيرا . ولن يبدأ أبدا من صياغة الأحكام الفقهية في الفراغ , لتكون معدة جاهزة يوم يقوم المجتمع الإسلامي والنظام الإسلامي . ولن يكون وجود هذه الأحكام المفصلة على "الجاهز" والناشئة في الفراغ هي نقطة البدء في التحول من الجاهلية إلى الإسلام . وليس الذي ينقص هذه المجتمعات الجاهلية لكي تتحول إلى الإسلام هو الأحكام الفقهية "الجاهزة " ! وليست الصعوبة في ذلك التحول ناشئة عن قصور أحكام الفقه الإسلامي الحاضرة عن ملاحقة حاجات المجتمعات المتطورة . . إلى آخر ما يخادع به بعضهم , وينخدع به بعضهم الآخر !
كلا ! إن الذي يحول دون تحول هذه المجتمعات الجاهلية إلى النظام الإسلامي هو وجود الطواغيت التي تأبى أن تكون الحاكمية لله ; فتأبى أن تكون الربوبية في حياة البشر والألوهية في الأرض لله وحده . وتخرج بذلك من الإسلام خروجا كاملا . يعد الحكم عليه من المعلوم من الدين بالضرورة . . ثم هو بعد ذلك وجود جماهير من البشر تعبد أولئك الطواغيت من دون الله - أي تدين لها وتخضع وتتبع - فتجعلها بذلك أربابا متفرقة معبودة مطاعة . وتخرج هذه الجماهير بهذه العبادة من التوحيد إلى الشرك . . فهذا هو أخص مدلولات الشرك في نظر الإسلام . .
وبهذا وذلك تقوم الجاهلية نظاما في الأرض ; وتعتمد على ركائز من ضلال التصور بقدر ما تعتمد على ركائز من القوة المادية .
وصياغة أحكام الفقه لا تواجه هذه الجاهلية - إذن - بوسائل مكافئة . إنما الذي يواجهها دعوة إلى الدخول في الإسلام مرة أخرى ; وحركة تواجه الجاهلية بكل ركائزها ; ثم يكون ما يكون من شأن كل دعوة للإسلام في وجه الجاهلية . ثم يحكم الله بين من يسلمون لله وبين قومهم بالحق . . وعندئذ فقط يجيء دور أحكام الفقه , التي تنشأ نشأة طبيعية في هذا الوسط الواقعي الحي , وتواجه حاجات الحياة الواقعية المتجددةفي هذا المجتمع الوليد , وفق حجم هذه الحاجات يومئذ وشكلها وملابساتها , وهي أمور كلها في ضمير الغيب - كما أسلفنا - ولا يمكن التكهن بها سلفا , ولا يمكن الاشتغال بها من اليوم على سبيل الجد المناسب لطبيعة هذا الدين !
إن هذا لا يعني - بحال - أن الأحكام الشرعية المنصوص عليها في الكتاب والسنة ليست قائمة الآن فعلا من الوجهة الشرعية . ولكنه يعني فقط أن المجتمع الذي شرعت هذه الأحكام له , والذي لا تطبق هذه الأحكام إلا فيه - بل الذي لا تعيش هذه الأحكام إلا به - ليس قائما الآن فعلا . ومن ثم يصبح وجودها الفعلي معلقا بقيام ذلك المجتمع . . ويبقى الالتزام بها قائما في عنق كل من يسلم من ذلك المجتمع الجاهلي ويتحرك في وجه الجاهلية لإقامة النظام الإسلامي ; ويتعرض لما يتعرض له من يتحرك بهذا الدين في وجه الجاهلية وطواغيتها المتألهة وجماهيرها الخاضعة للطواغيت الراضية بالشرك في الربوبية . .
إن إدراك طبيعة النشأة الإسلامية على هذا النحو الذي لا يتغير , كلما قامت الجاهلية وقامت في وجهها محاولة إسلامية . . هو نقطة البدء في العمل الحقيقي البناء لإعادة هذا الدين إلى الوجود الفعلي , بعد أن انقطع هذا الوجود منذ أن حلت شرائع البشر محل شريعة الله في خلال القرنين الأخيرين ; وخلا وجه الأرض من الوجود الحقيقي للإسلام ; وإن بقيت المآذن والمساجد , والأدعية والشعائر ; تخدر مشاعر الباقين علي الولاء العاطفي الغامض لهذا الدين ; وتوهمهم أنه لا يزال بخير ; وهو يمحى من الوجود محوا !
إن المجتمع المسلم وجد قبل أن توجد الشعائر , وقبل أن توجد المساجد . . وجد من يوم أن قيل للناس:اعبدوا الله ما لكم من إله غيره , فعبدوه . ولم تكن عبادتهم له ممثلة في الشعائر , فالشعائر لم تكن بعد قد فرضت . إنما كانت عبادتهم له ممثلة في الدينونة له وحده - من ناحية المبدأ فلم تكن بعد قد نزلت شرائع ! - وحين أصبح لهؤلاء الذين قرروا الدينونة لله وحده سلطان مادي في الأرض تنزلت الشرائع ; وحين واجهوا الحاجات الحقيقية لحياتهم هم استنبطت بقية أحكام الفقه , إلى جانب ما ورد بنصه في الكتاب والسنة . .
وهذا هو الطريق وحده ; وليس هنالك طريق آخر . .
وليت هنالك طريقا سهلا عن طريق تحول الجماهير بجملتها إلى الإسلام منذ أول وهلة في الدعوة باللسان , وببيان أحكام الإسلام ! ولكن هذه إنما هي "الأماني" ! فالجماهير لا تتحول أبدا من الجاهلية وعبادة الطواغيت , إلى الإسلام وعبادة الله وحده إلا عن ذلك الطريق الطويل البطيء الذي سارت فيه دعوة الإسلام في كل مرة . . والذي يبدؤه فرد , ثم تتبعه طليعة , ثم تتحرك هذه الطليعة في وجه الجاهلية لتعاني ما تعاني حتى يحكم الله بينها وبين قومها بالحق ويمكن لها في الأرض . . ثم . . يدخل الناس في دين الله أفواجا . . ودين الله هو منهجه وشرعه ونظامه الذي لا يرضى من الناس دينا غيره: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه). .
ولعل هذا البيان أن يكشف لنا عن حقيقة الحكم في موقف يوسف - عليه السلام .
إنه لم يكن يعيش في مجتمع مسلم تنطبق عليه قاعدة عدم تزكية النفس عند الناس وطلب الإمارة على أساس هذه التزكية . كما أنه كان يرى أن الظروف تمكن له من أن يكون حاكما مطاعا لا خادما في وضع جاهلي . وكان الأمر كما توقع فتمكن بسيطرته من الدعوة لدينه ونشره في مصر في أيام حكمه . وقد توارى العزيز وتوارى الملك تماما . .
ثم نعود بعد هذا الاستطراد إلى صلب القصة وإلى صلب السياق . إن السياق لا يثبت أن الملك وافق . فكأنما يقول:إن الطلب تضمن الموافقة ! زيادة في تكريم يوسف , وإظهار مكانته عند الملك . فيكفي أن يقول ليجاب , بل ليكون قوله هو الجواب . . ومن ثم يحذف رد الملك , ويدع القاريء يفهم أنه أصبح في المكان الذي طلبه .
ويؤيد هذا الذي نقوله تعقيب السياق:
(وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء . ولا نضيع أجر المحسنين . . ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون). .
فعلى هذا النحو من إظهار براءة يوسف , ومن إعجاب الملك به , ومن الاستجابة له فيما طلب . . على هذا النحو مكنا ليوسف في الأرض , وثبتنا قدميه , وجعلنا له فيها مكانا ملحوظا . والأرض هي مصر . أو هي هذه الأرض كلها باعتبار أن مصر يومذاك أعظم ممالكها .
(يتبوأ منها حيث يشاء). .
يتخذ منها المنزل الذي يريد , والمكان الذي يريد , والمكانة التي يريد . في مقابل الجب وما فيه من مخاوف , والسجن وما فيه من قيود .
(نصيب برحمتنا من نشاء). .
فنبدله من العسر يسرا , ومن الضيق فرجا , ومن الخوف أمنا , ومن القيد حرية , ومن الهوان على الناس عزا ومقاما عليا .
(ولا نضيع أجر المحسنين). .
الذين يحسنون الإيمان بالله , والتوكل عليه , والاتجاه إليه , ويحسنون السلوك والعمل والتصرف مع الناس . . هذا في الدنيا . .
(ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون). .
فلا ينقص منه المتاع في الدنيا وإن كان خيرا من متاع الدنيا , متى آمن الإنسان واتقى . فاطمأن بإيمانه إلى ربه , وراقبه بتقواه في سره وجهره .
وهكذا عوض الله يوسف عن المحنة , تلك المكانة في الأرض , وهذه البشرى في الآخرة جزاء وفاقا على الإيمان والصبر والإحسان .
الدرس الثاني:58 - 62 يوسف يطلب من أخوته أخاه الصغير
ودارت عجلة الزمن . وطوى السياق دوراتها بما كان فيها طوال سنوات الرخاء . فلم يذكر كيف كان الخصب , وكيف زرع الناس . وكيف أدار يوسف جهاز الدولة . وكيف نظم ودبر وادخر . كأن هذه كلها أمور مقررة بقوله:
(إني حفيظ عليم). .
وكذلك لم يذكر مقدم سني الجدب , وكيف تلقاها الناس , وكيف ضاعت الأرزاق . . لأن هذا كله ملحوظ في رؤيا الملك وتأويلها:
(ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون). .

ما المقصود بخزائن الارض في القران

قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ
2 هود /  وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ
3 يوسف/قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ
4 الإسراء / قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا
5 ص /مْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ
6 الطور / أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ
7 المنافقون / هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ
--------------قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ

فِيهِ أَرْبَع مَسَائِل : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : " قَالَ اِجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِن الْأَرْض " قَالَ سَعِيد بْن مَنْصُور : سَمِعْت مَالِك بْن أَنَس يَقُول : مِصْر خِزَانَة الْأَرْض ; أَمَا سَمِعْت إِلَى قَوْله : " اِجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِن الْأَرْض " أَيْ عَلَى حِفْظهَا , فَحَذَفَ الْمُضَاف . " إِنِّي حَفِيظ " لِمَا وُلِّيت " عَلِيم " بِأَمْرِهِ . وَفِي التَّفْسِير : إِنِّي حَاسِب كَاتِب ; وَأَنَّهُ أَوَّل مَنْ كَتَبَ فِي الْقَرَاطِيس . وَقِيلَ : " حَفِيظ " لِتَقْدِيرِ الْأَقْوَات " عَلِيم " بِسِنِي الْمَجَاعَات . قَالَ جُوَيْبِر عَنْ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رَحِمَ اللَّه أَخِي يُوسُف لَوْ لَمْ يَقُلْ اِجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِن الْأَرْض لَاسْتَعْمَلَهُ مِنْ سَاعَته وَلَكِنْ أُخِّرَ ذَلِكَ عَنْهُ سَنَة ) . قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمَّا اِنْصَرَمَتْ السَّنَة مِنْ يَوْم سَأَلَ الْإِمَارَة دَعَاهُ الْمَلِك فَتَوَجَّهَ وَرَدَّاهُ بِسَيْفِهِ , وَوَضَعَ لَهُ سَرِيرًا مِنْ ذَهَب , مُكَلَّلًا بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوت , وَضَرَبَ عَلَيْهِ حُلَّة مِنْ إِسْتَبْرَق ; وَكَانَ طُول السَّرِير ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا وَعَرْضه عَشَرَة أَذْرُع , عَلَيْهِ ثَلَاثُونَ فِرَاشًا وَسِتُّونَ مِرْفَقَة , ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَخْرُج , فَخَرَجَ مُتَوَّجًا , لَوْنه كَالثَّلْجِ , وَوَجْهه كَالْقَمَرِ ; يَرَى النَّاظِر وَجْهه مِنْ صَفَاء لَوْن وَجْهه , فَجَلَسَ عَلَى السَّرِير وَدَانَتْ لَهُ الْمُلُوك , وَدَخَلَ الْمَلِك بَيْته مَعَ نِسَائِهِ , وَفَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْر مِصْر , وَعَزْل قطفير عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ يُوسُف مَكَانه . قَالَ اِبْن زَيْد : كَانَ لِفِرْعَوْن مَلِك مِصْر خَزَائِن كَثِيرَة غَيْر الطَّعَام , فَسَلَّمَ سُلْطَانه كُلّه إِلَيْهِ , وَهَلَكَ قطفير تِلْكَ اللَّيَالِي , فَزَوَّجَ الْمَلِك يُوسُف راعيل اِمْرَأَة الْعَزِيز , فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا قَالَ : أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا مِمَّا كُنْت تُرِيدِينَ ؟ ! فَقَالَتْ : أَيّهَا الصِّدِّيق لَا تَلُمْنِي ; فَإِنِّي كُنْت اِمْرَأَة حَسْنَاء نَاعِمَة كَمَا تَرَى , وَكَانَ صَاحِبِي لَا يَأْتِي النِّسَاء , وَكُنْت كَمَا جَعَلَك اللَّه مِنْ الْحُسْن فَغَلَبَتْنِي نَفْسِي . فَوَجَدَهَا يُوسُف عَذْرَاء فَأَصَابَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ رَجُلَيْنِ : إفراثيم بْن يُوسُف , ومنشا بْن يُوسُف . وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : إِنَّمَا كَانَ تَزْوِيجه زليخاء اِمْرَأَة الْعَزِيز بَيْن دَخْلَتَيْ الْإِخْوَة , وَذَلِكَ أَنَّ زليخاء مَاتَ زَوْجهَا وَيُوسُف فِي السِّجْن , وَذَهَبَ مَالهَا وَعَمِيَ بَصَرهَا بُكَاء عَلَى يُوسُف , فَصَارَتْ تَتَكَفَّف النَّاس , فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْحَمهَا وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرْحَمهَا , وَكَانَ يُوسُف يَرْكَب فِي كُلّ أُسْبُوع مَرَّة فِي مَوْكِب زُهَاء مِائَة أَلْف مِنْ عُظَمَاء قَوْمه , فَقِيلَ لَهَا : لَوْ تَعَرَّضْت لَهُ لَعَلَّهُ يُسْعِفك بِشَيْءٍ ; ثُمَّ قِيلَ لَهَا : لَا تَفْعَلِي , فَرُبَّمَا ذَكَرَ بَعْض مَا كَانَ مِنْك مِنْ الْمُرَاوَدَة وَالسِّجْن فَيُسِيء إِلَيْك , فَقَالَتْ : أَنَا أَعْلَم بِخُلُقِ حَبِيبِي مِنْكُمْ , ثُمَّ تَرَكْته حَتَّى إِذَا رَكِبَ فِي مَوْكِبه , قَامَتْ فَنَادَتْ بِأَعْلَى صَوْتهَا : سُبْحَان مَنْ جَعَلَ الْمُلُوك عَبِيدًا بِمَعْصِيَتِهِمْ , وَجَعَلَ الْعَبِيد مُلُوكًا بِطَاعَتِهِمْ , فَقَالَ يُوسُف : مَا هَذِهِ ؟ فَأَتَوْا بِهَا ; فَقَالَتْ : أَنَا الَّتِي كُنْت أَخْدُمك عَلَى صُدُور قَدَمِي , وَأُرَجِّل جُمَّتك بِيَدِي , وَتَرَبَّيْت فِي بَيْتِي , وَأَكْرَمْت مَثْوَاك , لَكِنْ فَرَطَ مَا فَرَطَ مِنْ جَهْلِي وَعُتُوِّي فَذُقْت وَبَال أَمْرِي , فَذَهَبَ مَالِي , وَتَضَعْضَعَ رُكْنِي , وَطَالَ ذُلِّي , وَعَمِيَ بَصَرِي , وَبَعْدَمَا كُنْت مَغْبُوطَة أَهْل مِصْر صِرْت مَرْحُومَتهمْ , أَتَكَفَّف النَّاس , فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْحَمنِي , وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرْحَمنِي , وَهَذَا جَزَاء الْمُفْسِدِينَ ; فَبَكَى يُوسُف بُكَاء شَدِيدًا , ثُمَّ قَالَ لَهَا : هَلْ بَقِيت تَجِدِينَ مِمَّا كَانَ فِي نَفْسك مِنْ حُبّك لِي شَيْئًا ؟ فَقَالَتْ : وَاَللَّه لَنَظْرَة إِلَى وَجْهك أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا , لَكِنْ نَاوِلْنِي صَدْر سَوْطك , فَنَاوَلَهَا فَوَضَعْته عَلَى صَدْرهَا , فَوَجَدَ لِلسَّوْطِ فِي يَده اِضْطِرَابًا وَارْتِعَاشًا مِنْ خَفَقَان قَلْبهَا , فَبَكَى ثُمَّ مَضَى إِلَى مَنْزِله فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا رَسُولًا : إِنْ كُنْت أَيّمَا تَزَوَّجْنَاك , وَإِنْ كُنْت ذَات بَعْل أَغْنَيْنَاك , فَقَالَتْ لِلرَّسُولِ : أَعُوذ بِاَللَّهِ أَنْ يَسْتَهْزِئ بِي الْمَلِك ! لَمْ يُرِدْنِي أَيَّام شَبَابِي وَغِنَايَ وَمَالِي وَعِزِّي أَفَيُرِيدنِي الْيَوْم وَأَنَا عَجُوز عَمْيَاء فَقِيرَة ؟ ! فَأَعْلَمَهُ الرَّسُول بِمَقَالَتِهَا , فَلَمَّا رَكِبَ فِي الْأُسْبُوع الثَّانِي تَعَرَّضْت لَهُ , فَقَالَ لَهَا : أَلَمْ يَبْلُغك الرَّسُول ؟ فَقَالَتْ : قَدْ أَخْبَرْتُك أَنَّ نَظْرَة وَاحِدَة إِلَى وَجْهك أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ; فَأَمَرَ بِهَا فَأُصْلِحَ مِنْ شَأْنهَا وَهُيِّئَتْ , ثُمَّ زُفَّتْ إِلَيْهِ , فَقَامَ يُوسُف يُصَلِّي وَيَدْعُو اللَّه , وَقَامَتْ وَرَاءَهُ , فَسَأَلَ اللَّه تَعَالَى أَنْ يُعِيد إِلَيْهَا شَبَابهَا وَجَمَالهَا وَبَصَرهَا , فَرَدَّ اللَّه عَلَيْهَا شَبَابهَا وَجَمَالهَا وَبَصَرهَا حَتَّى عَادَتْ أَحْسَن مَا كَانَتْ يَوْم رَاوَدَتْهُ , إِكْرَامًا لِيُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا عَفَّ عَنْ مَحَارِم اللَّه , فَأَصَابَهَا فَإِذَا هِيَ عَذْرَاء , فَسَأَلَهَا ; فَقَالَتْ : يَا نَبِيّ اللَّه إِنَّ زَوْجِي كَانَ عِنِّينًا لَا يَأْتِي النِّسَاء , وَكُنْت أَنْتَ مِنْ الْحُسْن وَالْجَمَال بِمَا لَا يُوصَف ; قَالَ : فَعَاشَا فِي خَفْض عَيْش , فِي كُلّ يَوْم يُجَدِّد اللَّه لَهُمَا خَيْرًا , وَوَلَدَتْ لَهُ وَلَدَيْنِ ; إفراثيم ومنشا . وَفِيمَا رُوِيَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَلْقَى فِي قَلْب يُوسُف مِنْ مَحَبَّتهَا أَضْعَاف مَا كَانَ فِي قَلْبهَا , فَقَالَ لَهَا : مَا شَأْنك لَا تُحِبِّينَنِي كَمَا كُنْت فِي أَوَّل مَرَّة ؟ فَقَالَتْ لَهُ : لَمَّا ذُقْت مَحَبَّة اللَّه تَعَالَى شَغَلَنِي ذَلِكَ عَنْ كُلّ شَيْء .

الثَّانِيَة : قَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم : فِي هَذِهِ الْآيَة مَا يُبِيح لِلرَّجُلِ الْفَاضِل أَنْ يَعْمَل لِلرَّجُلِ الْفَاجِر , وَالسُّلْطَان الْكَافِر , بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَم أَنَّهُ يُفَوِّض إِلَيْهِ فِي فِعْل لَا يُعَارِضهُ فِيهِ , فَيُصْلِح مِنْهُ مَا شَاءَ ; وَأَمَّا إِذَا كَانَ عَمَله بِحَسَبِ اِخْتِيَار الْفَاجِر وَشَهَوَاته وَفُجُوره فَلَا يَجُوز ذَلِكَ . وَقَالَ قَوْم : إِنَّ هَذَا كَانَ لِيُوسُف خَاصَّة , وَهَذَا الْيَوْم غَيْر جَائِز ; وَالْأَوَّل أَوْلَى إِذَا كَانَ عَلَى الشَّرْط الَّذِي ذَكَرْنَاهُ . وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : فَإِنْ كَانَ الْمُوَلِّي ظَالِمًا فَقَدْ اِخْتَلَفَ النَّاس فِي جَوَاز الْوِلَايَة مِنْ قِبَله عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدهمَا - جَوَازهَا إِذَا عَمِلَ بِالْحَقِّ فِيمَا تَقَلَّدَهُ ; لِأَنَّ يُوسُف وُلِّيَ مِنْ قِبَل فِرْعَوْن , وَلِأَنَّ الِاعْتِبَار فِي حَقّه بِفِعْلِهِ لَا بِفِعْلِ غَيْره . الثَّانِي : أَنَّهُ لَا يَجُوز ذَلِكَ ; لِمَا فِيهِ مِنْ تَوَلِّي الظَّالِمِينَ بِالْمَعُونَةِ لَهُمْ , وَتَزْكِيَتهمْ بِتَقَلُّدِ أَعْمَالهمْ ; فَأَجَابَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْمَذْهَب عَنْ وِلَايَة يُوسُف مِنْ قِبَل فِرْعَوْن بِجَوَابَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّ فِرْعَوْن يُوسُف كَانَ صَالِحًا , وَإِنَّمَا الطَّاغِي فِرْعَوْن مُوسَى . الثَّانِي : أَنَّهُ نَظَرَ فِي أَمْلَاكه دُون أَعْمَاله , فَزَالَتْ عَنْهُ التَّبِعَة فِيهِ . قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَالْأَصَحّ مِنْ إِطْلَاق هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يُفَصَّل مَا يَتَوَلَّاهُ مِنْ جِهَة الظَّالِم عَلَى ثَلَاثَة أَقْسَام : أَحَدهَا : مَا يَجُوز لِأَهْلِهِ فِعْله مِنْ غَيْر اِجْتِهَاد فِي تَنْفِيذه كَالصَّدَقَاتِ وَالزَّكَوَات , فَيَجُوز تَوَلِّيه مِنْ جِهَة الظَّالِم , لِأَنَّ النَّصّ عَلَى مُسْتَحِقّه قَدْ أَغْنَى عَنْ الِاجْتِهَاد فِيهِ , وَجَوَاز تَفَرُّد أَرْبَابه بِهِ قَدْ أَغْنَى عَنْ التَّقْلِيد . وَالْقِسْم الثَّانِي : مَا لَا يَجُوز أَنْ يَتَفَرَّدُوا بِهِ وَيَلْزَم الِاجْتِهَاد فِي مَصْرِفه كَأَمْوَالِ الْفَيْء , فَلَا يَجُوز تَوَلِّيه مِنْ جِهَة الظَّالِم ; لِأَنَّهُ يَتَصَرَّف بِغَيْرِ حَقّ , وَيَجْتَهِد فِيمَا لَا يَسْتَحِقّ . وَالْقِسْم الثَّالِث : مَا يَجُوز أَنْ يَتَوَلَّاهُ لِأَهْلِهِ , وَلِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَدْخَل كَالْقَضَايَا وَالْأَحْكَام , فَعَقْد التَّقْلِيد مَحْلُول , فَإِنْ كَانَ النَّظَر تَنْفِيذًا لِلْحُكْمِ بَيْن مُتَرَاضِيَيْنِ , وَتَوَسُّطًا بَيْن مَجْبُورَيْنِ جَازَ , وَإِنْ كَانَ إِلْزَام إِجْبَار لَمْ يَجُزْ .

الثَّالِثَة : وَدَلَّتْ الْآيَة أَيْضًا عَلَى جَوَاز أَنْ يَخْطُب الْإِنْسَان عَمَلًا يَكُون لَهُ أَهْلًا ; فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ رَوَى مُسْلِم عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن سَمُرَة قَالَ قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا عَبْد الرَّحْمَن لَا تَسْأَل الْإِمَارَة فَإِنَّك إِنْ أُعْطِيتهَا عَنْ مَسْأَلَة وُكِلْت إِلَيْهَا وَإِنْ أُعْطِيتهَا عَنْ غَيْر مَسْأَلَة أُعِنْت عَلَيْهَا ) . وَعَنْ أَبِي بُرْدَة قَالَ قَالَ أَبُو مُوسَى : أَقْبَلْت إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعِي رَجُلَانِ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ , أَحَدهمَا عَنْ يَمِينِي وَالْآخَر عَنْ يَسَارِي , فَكِلَاهُمَا سَأَلَ الْعَمَل , وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَاك , فَقَالَ : ( مَا تَقُول يَا أَبَا مُوسَى - أَوْ يَا عَبْد اللَّه بْن قَيْس ) . قَالَ قُلْت : وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا أَطْلَعَانِي عَلَى مَا فِي أَنْفُسهمَا , وَمَا شَعَرْت أَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْعَمَل , قَالَ : وَكَأَنِّي أَنْظُر إِلَى سِوَاكه تَحْت شَفَته وَقَدْ قَلَصَتْ , فَقَالَ : ( لَنْ - أَوْ - لَا نَسْتَعْمِل عَلَى عَمَلنَا مَنْ أَرَادَهُ ) وَذَكَرَ الْحَدِيث ; خَرَّجَهُ مُسْلِم أَيْضًا وَغَيْره ; فَالْجَوَاب : أَوَّلًا : أَنَّ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا طَلَبَ الْوِلَايَة لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا أَحَد يَقُوم مَقَامه فِي الْعَدْل وَالْإِصْلَاح وَتَوْصِيل الْفُقَرَاء إِلَى حُقُوقهمْ فَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ فَرْض مُتَعَيِّن عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْره , وَهَكَذَا الْحُكْم الْيَوْم , لَوْ عَلِمَ إِنْسَان مِنْ نَفْسه أَنَّهُ يَقُوم بِالْحَقِّ فِي الْقَضَاء أَوْ الْحِسْبَة وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَصْلُح وَلَا يَقُوم مَقَامه لَتَعَيَّنَ ذَلِكَ عَلَيْهِ , وَوَجَبَ أَنْ يَتَوَلَّاهَا وَيَسْأَل ذَلِكَ , وَيُخْبِر بِصِفَاتِهِ الَّتِي يَسْتَحِقّهَا بِهِ مِنْ الْعِلْم وَالْكِفَايَة وَغَيْر ذَلِكَ , كَمَا قَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام , فَأَمَّا لَوْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَقُوم بِهَا وَيَصْلُح لَهَا وَعَلِمَ بِذَلِكَ فَالْأَوْلَى أَلَّا يَطْلُب ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام , لِعَبْدِ الرَّحْمَن : ( لَا تَسْأَل الْإِمَارَة وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي سُؤَالهَا وَالْحِرْص عَلَيْهَا مَعَ الْعِلْم بِكَثْرَةِ آفَاتهَا وَصُعُوبَة التَّخَلُّص مِنْهَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُ يَطْلُبهَا لِنَفْسِهِ وَلِأَغْرَاضِهِ , وَمَنْ كَانَ هَكَذَا يُوشِك أَنْ تَغْلِب عَلَيْهِ نَفْسه فَيَهْلِك ; وَهَذَا مَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( وُكِلَ إِلَيْهَا ) وَمَنْ أَبَاهَا لِعِلْمِهِ بِآفَاتِهَا , وَلِخَوْفِهِ مِنْ التَّقْصِير فِي حُقُوقهَا فَرَّ مِنْهَا , ثُمَّ إِنْ اُبْتُلِيَ بِهَا فَيُرْجَى لَهُ التَّخَلُّص مِنْهَا , وَهُوَ مَعْنَى قَوْله : ( أُعِينَ عَلَيْهَا ) . الثَّانِي : أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ : إِنِّي حَسِيب كَرِيم , وَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْكَرِيم اِبْن الْكَرِيم اِبْن الْكَرِيم اِبْن الْكَرِيم يُوسُف بْن يَعْقُوب بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم ) وَلَا قَالَ : إِنِّي جَمِيل مَلِيح , إِنَّمَا قَالَ : " إِنِّي حَفِيظ عَلِيم " فَسَأَلَهَا بِالْحِفْظِ وَالْعِلْم , لَا بِالنَّسَبِ وَالْجَمَال . الثَّالِث : إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عِنْد مَنْ لَا يَعْرِفهُ فَأَرَادَ تَعْرِيف نَفْسه , وَصَارَ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْله تَعَالَى : " فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسكُمْ " . الرَّابِع : أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ فَرْضًا مُتَعَيِّنًا عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ غَيْره , وَهُوَ الْأَظْهَر , وَاَللَّه أَعْلَم .

الرَّابِعَة وَدَلَّتْ الْآيَة أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يَجُوز لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَصِف نَفْسه بِمَا فِيهِ مِنْ عِلْم وَفَضْل ; قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَلَيْسَ هَذَا عَلَى الْإِطْلَاق فِي عُمُوم الصِّفَات , وَلَكِنَّهُ مَخْصُوص فِيمَا اِقْتَرَنَ بِوَصْلِهِ , أَوْ تَعَلَّقَ بِظَاهِرٍ مِنْ مَكْسَب , وَمَمْنُوع مِنْهُ فِيمَا سِوَاهُ , لِمَا فِيهِ مِنْ تَزْكِيَة وَمُرَاءَاة , وَلَوْ مَيَّزَهُ الْفَاضِل عَنْهُ لَكَانَ أَلْيَق بِفَضْلِهِ ; فَإِنَّ يُوسُف دَعَتْهُ الضَّرُورَة إِلَيْهِ لِمَا سَبَقَ مِنْ حَاله , وَلِمَا يَرْجُو مِنْ الظَّفَر بِأَهْلِهِ

لماذا النساء ناقصات عقل ودين؟

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ" فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ" قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟" قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: "فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا. أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟" قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: "فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَ

متفق عليه


بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
فالحديث الذي ورد في السؤال رواه البخاري ومسلم، والحديث ليس فيه أي انتقاص لقدر المرأة ومكانتها فالله سبحانه وتعالى قد جعل معيار التفاضل هو التقوى فقال سبحانه: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، وقد أساء البعض –عن جهل أو عمد- فهم خطابه صلى الله عليه وسلم للنساء ووصفهن بأنهن "ناقصات عقل ودين" ففهم الحديث وفق مراده هو، وجعل من ذلك دليلا على ظلم الإسلام للمرأة، والإسلام من هذا الفهم السقيم بريء وحاله كحال من قرأ قول الله تعالى (فويل للمصلين) وهذا ما أشار إليه الأستاذ محمد إبراهيم زيدان -المحاضر بالجامعات الإسلامية- فيقول:

نص الحديث:
1- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ" فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ" قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟" قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: "فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا. أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟" قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: "فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا" متفق عليه( ).

وهاج الكائدون وماجوا، وصاحوا: إن الإسلام يفرّق بين الرجل والمرأة، وجعل المرأة نصف الرجل، وجعلها ناقصة عقل ودين، ونحن إذ ندلف إلى دراسة هذا الحديث لا ندخل فيه بنيّة الدفاع أو الخجل مما جاء في هذا الحديث، ونحب أن نركّز على بعض الجوانب الأساسية في هذا الحديث وفي الأحاديث الصحيحة عامة:

أولاً: إذا صحّ الحديث فلا داعي للخجل منه، لأنه من صميم الإسلام، ويجب التسليم به، والتصديق الكامل بما فيه، ومحاولة فهمه فهمًا صحيحًا، ولا يكن في صدورنا أي حرج من هذا، وإلا دخلْنا تحت طائلة لا قِبَل لنا بها، فالتسليم والتصديق أولاً، ومحاولة الفهم ثانيًا.

ثانيًا: المناسبة التي قيل فيها هذا الحديث: "مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ".
ودراسة النص وتأمُّله ينبغي أن تنصبّ على أسباب ورود الحديث، وإلى من كان يوجَّه هذا الحديث، وإلى الصياغة التي صيغ بها الحديث.

فمن ناحية المناسبة.. فقد قيل هذا الحديث وقت عيد فطر أو أضحى في موعظة خاصة للنساء، فهل نتوقع من الرسول الكريم صاحب الخلق العظيم أن ينقص من شأن النساء وقدرهن في مثل هذه المناسبة السارة البهيجة؟!، فالمناسبة كما نعرف من مقتضياتها اللطف والمداعبة، وذلك بقرينة سؤال النساء للرسول -صلى الله عليه وسلم-: "وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا؟".

وأما من ناحية من وُجِّه إليهن هذا الحديث فقد كنَّ بعض نساء المدينة، وغالبهن من الأنصاريات اللاتي قال فيهن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه-: "وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الأَنْصَارِ إِذَا هُمْ قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الأَنْصَارِ"( ).
وهذا يبيِّن السبب الذي من أجله قال الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: "مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ".

أما من ناحية الصياغة فصياغة الحديث ليست صياغة تقرير قاعدة عامة أو حكم شامل، وإنما هي أقرب إلى صيغة التعجب من صفة التناقض القائم في نساء الأنصار، فهن الضعيفات وقد تغلبن على الرجال ذوي الحزم، فالتعجب هنا من حكمة الله، ومن هنا كان استنتاجنا أن الرسول الكريم في هذه المناسبة قد مهّد بملاطفة النساء ملاطفة عامة، ومهّد تمهيدًا يفتح القلوب والنفوس للعظة القادمة، ولذلك جاءت كلمة "نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ" مرة واحدة ولم تجيء مستقلة في صيغة تقريرية؛ سواء أمام النساء أم الرجال.

ثالثًا: الاحتمالات الواردة في فهم قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ"، وهذه الاحتمالات هي:
أ- نقص فطري عام في مستوى الذكاء والاستيعاب والفهم، وفي جميع العمليات العقلية المعروفة.. وهذا الاحتمال مستبعد بالاستقراء والملاحظة والتاريخ العريض الذي يشهد لهن بعكس ذلك.

ب- نقص فطري في بعض القدرات العقلية الخاصة مثل الفهم
العميق، وقوة التحليل، والإدراك الشامل، وهذا أيضًا مستبعد لنفس الأسباب.

ج- نقص عارض مؤقّت نتيجة للتغيّرات الطبيعية في حالة الحيض أو الحمل أو غير ذلك من عوارض النساء، أو نقص عارض طويل المدى، وهو يطرأ على المرأة نتيجة ظروف الحياة العامة كالانشغال الدائم بالحمل والولادة والرضاعة وتربية الأولاد ومراعاة الزوج ومراعاة البيت، مما قد يؤدّي في بعض الأحيان إلى نقصان الوعي التام بالحياة الخارجية، وضعف الإدراك الشامل للأمور العامة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الداخلية والخارجية.

وصياغة الحديث اعتمادًا على الفهم السابق توحي بأن الاحتمال الثالث هو الأولى بمراد الرسول الكريم، والمثال أو السبب الذي ضربه الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- على نقصان العقل يساعد على ترجيح النقص العارض، أيًا كان مجال النقص، فهو لا يخدش قواها العقلية وقدرتها على تحمل المسئولية الأساسية المنوطة بها، والمسئوليات التي تشترك فيها مع الرجل، مثل المسئولية الإنسانية العامة أمام الله، والمسئولية الجنائية وتحمل العقوبات الجزائية والحدود، والمسئولية المدنية، وحق التصرف في الأموال وعقد العقود، والوصاية على القُصر، ومسئولية العلم ورواية الأحاديث، ومسئولية القضاء في الأموال كما قرّرها أبو حنيفة -رضي الله عنه-.

ونظرًا لأن الحديث يشير إلى نقص الشهادة فمن الأفضل نقل أقوال الفقهاء حول شهادة المرأة:
فقد ورد في فتح الباري: "قال ابن المنذر: أجمع العلماء على القول بظاهر هذه الآية: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء)، فأجازوا شهادة النساء مع الرجال، وخصّ الجمهور ذلك بالديون والأموال، وقالوا: لا تجوز شهادتهن في الحدود والقصاص، واختلفوا في النكاح والطلاق والنسب والولاء؛ منعها الجمهور وأجازها الكوفيون.. واتفقوا على قبول شهادتهن فيما لا يطّلع عليه الرجال كالحيض والولادة والاستهلال( ) وعيوب النساء، واختلفوا في الرضاع"( ).

وقال ابن رشد: "فالذي عليه الجمهور أنه لا تُقبل شهادة النساء في الحدود، وقال أهل الظاهر: تقبل شهادتهن إذا كان معهن رجل، وكان النساء أكثر من واحدة في كل شيء على ظاهر الآية، وقال أبو حنيفة: تقبل شهادتهن في الأموال، وفيما عدا الحدود من أحكام الأبدان؛ مثل الطلاق والرجعة والنكاح والعتق، ولا تقبل عند مالك في حكم من أحكام البدن، وأما شهادة النساء مفردات –أعني النساء دون الرجال- فهي مقبولة عند الجمهور في حقوق الأبدان التي لا يطّلع عليها الرجال غالبًا مثل الولادة والاستهلال، وعيوب النساء، ولا خلاف في شيء من هذا إلا في الرضاع"( ).

وقال ابن حزم في المحلَّى: "ولا يجوز أن يقبل في الزنا أقل من أربعة رجال عدول مسلمين، أو مكان كل رجل امرأتان مسلمتان عدلتان، فيكون ذلك ثلاثة رجال وامرأتين أو رجلين وأربع نسوة، أو رجلاً واحدًا وست نسوة، أو ثماني نسوة فقط، ولا يقبل في سائر الحقوق كلها من الحدود والدماء وما فيه القصاص والنكاح والطلاق والرجعة والأموال إلا رجلان مسلمان عدلان، أو رجل وامرأتان، كذلك أو أربع نسوة كذلك، وتقبل في كل ذلك حاشا الحدود رجل واحد عدل أو امرأتان كذلك مع يمين الطالب، ويقبل في الرضاع وحده امرأة واحدة عدلة أو رجل واحد عدل"( ).

وقد رأى رأي ابن حزم هذا في شهادة المرأة بعض العلماء المعاصرين، ومنهم الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله تعالى- في كتابه "مائة سؤال عن الإسلام" ج2، ص261، 262، وكذلك الدكتور يوسف القرضاوي -بارك الله في عمره- في كتابه فتاوى معاصرة، الحلقة الثانية.

وقال ابن القيم -رحمه الله-: "قال شيخنا ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: قوله تعالى: (فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) فيه دليل على استشهاد امرأتين مكان رجل، إنما هو لتذكير إحداهما الأخرى إذا ضلّت، وهذا إنما يكون فيما فيه الضلال في العادة، وهو النسيان وعدم الضبط.

فما كان من الشهادات لا يخاف فيه الضلال في العادة لم تكن فيه على نصف الرجل، وما تقبل فيه شهادتهن منفردات، إنما هي أشياء تراها بعينها أو تلمسها بيدها أو تسمعها بأذنها من غير توقّف على عقل كالولادة والاستهلال والارتضاع والحيض والعيوب تحت الثياب، فإن مثل هذا لا ينسى في العادة، ولا تحتاج معرفته إلى إعمال عقل كمعاني الأقوال التي تسمعها من الإقرار بالدَّين وغيره، فإن هذه معانٍ معقولة، ويطول العهد بها في الجملة، وإذا قرر هذا فإنه تقبل شهادة الرجل والمرأتين في كل موضع تقبل فيه شهادة الرجل ويمين الطالب.

وقال عطاء وحماد بن أبي سليمان: تُقبل شهادة رجل وامرأتين في الحدود والقصاص، ويقضي بها عندنا في النكاح والعتاق على إحدى الروايتين، وروى ذلك عن جابر بن زيد وإياس بن معاوية والشعبي والثوري وأصحاب الرأي، وكذلك في الجنايات الموجبة للمال على إحدى الروايتين"( ).

ويقول ابن القيم أيضًا: "والمرأة العدل كالرجل في الصدق والأمانة والديانة، إلا أنها لمّا خيف عليها السهو والنسيان قُويت بمثلها، وذلك قد يجعلها أقوى من الرجل الواحد أو مثله، ولا ريب أن الظن المستفاد من شهادة مثل أمِّ الدرداء وأم عطية أقوى من الظن المستفاد من رجل واحد دونهما أو دون أمثالهما"( ).

والحديث عن شهادة المرأة يحتاج إلى بحث مستقلّ، فنقتصر على هذه الأقوال الفقهية من الفقهاء الذي فهموا النصوص جيدًا، ووضعوها موضعها الصحيح من المواقف الحياتية، والتي نحن في أمسّ الحاجة إليها الآن، في أمس الحاجة إلى من يفهم النصوص القرآنية والنبوية فهمًا عميقًا مسترشدًا بفهم السلف الصالح، ومنزلاً كل ذلك على الواقع الحياتي الذي نعيش فيه الآن، ما أحوجنا إلى مث

استحباب الإسراع بتجهيز الميت إلا أن يموت فجأة

السؤال : بعض الناس يموت فجأة ، فهل يستحب أن يسرع في تجهيزه ودفنه ؟


الجواب :
الحمد لله
السنة في حق الميت أن يُسرع في تجهيزه ؛ لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا ، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ) البخاري (1315) ، ومسلم (944) ، وينظر جواب سؤال رقم (154373) .
وإذا مات الإنسان فجأة ، فقد استثنى العلماء رحمهم الله هذه الصورة من الاستعجال في تجهيزه ، بل قالوا : ينتظر به حتى يتيقن موته .
قال الشافعي في الأم : "أحب المبادرة في جميع أمور الجنازة ، فان مات فجأة لم يبادر بتجهيزه لئلا تكون به سكتة ولم يمت بل يترك حتى يتحقق موته" انتهى من "شرح المهذب" (5/110) .
وفي حاشية الدسوقي (1/415) "وندب ... إسراع تجهيزه ودفنه خيفة تغيره إلا الغرق ونحوه كالصعق ومن مات فجأة أو تحت هدم أو بمرض السكتة فلا يندب الإسراع بل يجب تأخيرهم حتى يتحقق موتهم ... لاحتمال حياتهم" انتهى .
وقال ابن قدامة رحمه الله : "وإن شُكّ في موته انتظر به حتى يتيقن موته بانخساف صُدغيه وميل أنفه وانفصال كفيه واسترخاء رجليه" انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "إن شك في موته ؛ بأن مات بحادث أو بغتة ، فإنه ينتظر حتى يتيقن موته وله علامات.." انتهى من "الشرح الكافي" .
وقال أيضاً رحمه الله : "قوله : (أسرعوا بالجنازة) قال العلماء : يسرع في تجهيزه إلا أن يموت فجأة ويشك في موته فينتظر حتى يتيقن ، وإلا فيسرع في تجهيزه..." انتهى من لقاء الباب المفتوح (202) .
والله أعلم.

ما الفرق بين الوحي والالهام والرؤيا ؟

. .بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله

*الوحي لغة هو:
الإشارة، والكتابة، والرسالة، والإلهام، و الكلام الخفي وكل ما ألقيته إلى غيرك يقال: وحيت إليه الكلام وأوحيت. انتهى من لسان العرب.
وهو الإعلام الخفي السريع الخاص لمن يوجه إليه بحيث يخفى على غيره.
وأما تعريف الوحي شرعاً فهو: التعليم الصادر من الله الوارد إلى الأنبياء، فهو أخص من المعنى اللغوي بخصوص مصدره (الله) ومورده (الأنبياء)، والوحي نوعان: تعليم بواسطة ملك، وتعليم مباشر بلا واسطة ملك، وكلاهما يصح أن يكون في اليقظة أو في المنام وهي "الرؤيا الصالحة"، والتعليم المباشر يكون إما بالإلهام وهو إلقاء المعنى في النفس، أو بالكلام من وراء حجاب أي بدون رؤية.
والتعليم بواسطة له صور:




*وأما الرؤيا فهي على ثلاثة أضرب :
الرؤيا الصالحة وهي ما يراه الشخص الصالح في منامه من المبشرات ، وهي من إكرام الله لعباده الصالحين ، وحديث النفس فقد ينام الإنسان وهو مهتم بشيء ما فيرى حلما في النوم في شأنه، وتخويف من الشيطان للعباد ، ففي حديث البخاري : لم يبق من النبوة إلا المبشرات .قالوا : وما المبشرات؟ قال : الرؤيا الصالحة . وفي رواية مسلم : لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة .
وروى البخاري عن أبي الطفيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نبوة بعدي إلا المبشرات، قال: قيل وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: الرؤيا الحسنة، أو قال: الرؤيا الصالحة .
وفي الحديث : الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة . رواه مسلم .
وهوعند البخاري بلفظ : الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة.
وفي الصحيحين أيضا : الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان.
وفي الحديث : الرؤيا ثلاث: فبشرى من الله ، وحديث النفس ، وتخويف من الشيطان ، فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقص إن شاء ، وإن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد ، وليقم يصلي . رواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وصححه الألباني.
وروى ابن ماجه عن عوف بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الرؤيا ثلاثة: منها تهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم ، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته ، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة . وصححه الألباني أيضا.
قال المناوي في فيض القدير : الرؤيا الصالحة الحسنة أو الصحيحة المطابقة للواقع . وقال أيضا في شرح حديث عوف بن مالك السابق ( الرؤيا ثلاثة منها تهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم ) ولا حقيقة لها في نفس الأمر ( ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه ) قال القرطبي : ويدخل فيه ما يلازمه في يقظته من الأعمال والعلوم والأقوال وما يقوله الأطباء من أن الرؤيا من خلط غالب على الرائي ( ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ) قال الحكيم : أصل الرؤيا حق جاء من عند الحق المبين يخبرنا عن أنباء الغيب وهي بشارة أو نذارة أو معاينة وكانت عامة أمور الأولين بها ثم ضعفت في هذه الأمة لعظيم ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الوحي ولما فيها من التصديق وأهل الإلهام واليقين فاستغنوا بها عن الرؤيا والمؤمن محسود ولع به الشيطان لشدة عداوته فهو يكبده ويحزنه من كل وجه ويلبس عليه فإذا رأى رؤيا صادقة خلطها ليفسد عليه بشراه أو نذارته أو معاينته ونفسه دون الشيطان فيلبس عليه بما اهتم به في يقظته فهذان الصنفان ليسا من أنباء الغيب والصنف الثالث هي الرؤيا الصادقة التي هي من أجزاء النبوة . ا
واعلم أن الرؤيا الصالحة تعتبر وحيا من الله وجزءا من النبوة باعتبار ما فيها من الأخباروالبشائر ولكنها لا تعتبر من ناحية التشريع والأحكام فلا يبنى عليها حكم شرعي ولا يثبت بها حق ، فقد حكى الإمام النووي في شرح مسلم عن القاضي عياض في الاحتجاج بما يراه النائم في منامه قوله: أنه لا يبطل بسببه -أي المنام- سنة ثبتت، ولا يثبت به سنة لم تثبت، وهذا بإجماع العلماء.
وقال النووي: وكذا قال غيره من أصحابنا وغيرهم، فنقلوا الاتفاق على أنه لا يغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع. انتهى
وقال النووي أيضا في المجموع: لو كانت ليلة الثلاثين من شعبان ولم ير الناس الهلال، فرأى إنسان النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له: الليلة أول رمضان لم يصح الصوم بهذا المنام، لا لصاحب المنام ولا لغيره. انتهى.

*وأما الإلهام فقد اختلف في معناه على أقوال فقيل:
هو الإصابة بغير نبوة، وقيل المحدث هو الملهم بالصواب الذي يلقى على فيه. وقيل غير ذلك، والأصل في إثبات الإلهام والتحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب. متفق عليه.
وربما أطلق العلماء على هذا النوع من العلم بالمغيبات الكشف، ومدار الأمر على استقامة الحال وسلامة المعتقد، فإن جنس هذا العلم يحصل للبر والفاجر، والمسلم والكافر، والمحدث والكاهن فقد يلقي الشيطان بعض الأمور الغيبية على لسان شخص ما، ليفتتن به الناس، لا سيما إذا كانوا جهالا. وكما قال السلف: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء أو يطير في الهواء، فلا تغتروا بعمله، حتى يعرض على الكتاب والسنة. فيجب على المسلم أن يعرف الفرق بين الإلهامات الإلهية والإيحاءات الشيطانية حتى لا يقع في شرك المبطلين. فالإلهامات الإلهية هي ما يحصل لمن كان مستقيم الظاهر والباطن على شرع الله تعالى في الاعتقاد والقول والعمل. وأما الإيحاءات الشيطانية فهي ما يحصل لأولياء الشيطان من الزنادقة والمبتدعة المنحرفين الضالين ، وأن المدرك الوحيد لأخذ الأحكام الشرعية هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بفهم السلف الصالح لهذه الأمة وأما غير ذلك من المكاشفات والإلهامات فليس مدركا للأحكام البتة، فلا ينبني عليه حكم شرعي إطلاقا .

1- أن يشاهد النبي الملك عند الوحي ويراه في صورته الحقيقية، وهذا نادر.2- أن يشاهد النبي الملك عند الوحي ويراه في صورة بشر.

والله اعلم

سبب قَتْل ابن خَطَل

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ , وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ، فَقَالَ : اُقْتُلُوهُ .

فيه مسائل :

1= هذا الحديث حقّه التقديم في الباب الذي قبله ، أو ما قبله ، إلاّ أن يكون المصنف رحمه الله قصَد ما جاء في أوّل الحديث من دُخول مكة عام الفتح .

2= تبويب المصنف رحمه يُقصد به كيفية دُخول مكة ، وهل يجوز دخولها من غير إحرام ؟

3= دخول النبي صلى الله عليه وسلم لمكة وعلى رأسه المغْفَر ، هذا يعني أنه دَخَل حلالاً من غير إحرام .

4= جواز دُخول مكة من غير إحرام ، لأن العبرة بِعموم النص لا بخصوص السبب .

5= جواز قَتْل المفسد والجاني . وتقدّم ما في المسألة من كلام في حديث أبي شريح رضي الله عنه .
قال ابن عبد البر : كان هذا كله من رسول الله بمكة في الساعة التي حُلّت له من ذلك النهار ، ثم هي حرام إلى يوم القيامة . اهـ .

6= سبب قَتْل ابن خَطَل ؟
كان قد أسلَم وهاجر واستكتبه النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم كَفَر ولَحِق بِمكة .
وروى أنس أن ابن خطل كان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشِّعْر . وضعّف ذلك ابن عبد البر ؛ فقال : ولو كانت العلة في قتله ... ما ترك منهم من كان يَسبه ، وما أظن أحدا منهم امتنع في حين كفره ومحاربته له مِن سَـبِّـه .
وذَكَر ابن عبد البر " أن ابن خطل كان قد قَتل رجلا من الأنصار مسلما ثم ارتد كذلك . ذكر أهل السير وهذا يُبيح دَمه عند الجميع " .
قال : أما قتل عبد الله بن خطل فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان عَهد فيه أن يَقتل وإن وُجد مُتعلقا بأستار الكعبة ؛ لأنه ارتدّ بعد إسلامه ، وكَفر بعد إيمانه ، وبعد قراءته القرآن ، وقتل النفس التي حرّم الله ، ثم لحق بدار الكفر بمكة ، واتخذ قَينتين يُغنيانه بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم . اهـ .
فلهذه الأسباب أمَر النبي صلى الله عليه وسلم بِقتله ولو كان مُتعلِّقا بأستار الكعبة .
ونَقل عن ابن إسحاق قوله : وإنما أمَر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله ؛ لأنه بعثه مُصَّدِّقا ، وكان مسلما ، وبعث معه رجلا من الأنصار ، وكان معه مولى له يخدمه ، وكان مسلما ، فَنَزَل ابن خطل مَنْزِلاً وأمر المولى أن يذبح له تيسًا ، ويصنع له طعاما ، فنام واستيقظ ولم يصنع له شيئا ، فعدا عليه فقتله ، ثم ارتد مشركا . اهـ .

7= قُتِل ابن خَطَل وقُتِل غيره ، فقد روى النسائي من حديث سَعْدٍ بن أبِي وقّاص رضي الله عنه ، قَال : لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ ، إِلاَّ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ ، وَامْرَأَتَيْنِ ، وَقَالَ : اقْتُلُوهُمْ ، وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ، عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِى جَهْلٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ خَطَلٍ ، وَمَقِيسُ بْنُ صُبَابَةَ ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى السَّرْحِ .
فَأَمَّا عَبْدُ اللهِ بْنُ خَطَلٍ ، فَأُدْرِكَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ، فَاسْتَبَقَ إِلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، فَسَبَقَ سَعِيدٌ عَمَّارًا ، وَكَانَ أَشَبَّ الرَّجُلَيْنِ ، فَقَتَلَهُ ، وَأَمَّا مَقِيسُ بْنُ صُبَابَةَ ، فَأَدْرَكَهُ النَّاسُ فِى السُّوقِ ، فَقَتَلُوهُ . وَأَمَّا عِكْرِمَةُ ، فَرَكِبَ الْبَحْرَ ، فَأَصَابَتْهُمْ عَاصِفٌ . فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ : أَخْلِصُوا فَإِنَّ آلِهَتَكُمْ لاَ تُغْنِى عَنْكُمْ شَيْئًا هَا هُنَا . فَقَالَ عِكْرِمَةُ : واللهِ لَئِنْ لَمْ يُنَجِّنِى مِنَ الْبَحْرِ إِلاَّ الإِخْلاَصُ لاَ يُنَجِّينِى فِى الْبَرِّ غَيْرُهُ ، اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَىَّ عَهْدًا ، إِنْ أَنْتَ عَافَيْتَنِى مِمَّا أَنَا فِيهِ ، أَنْ آتِىَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، حَتَّى أَضَعَ يَدِى فِى يَدِهِ ، فَلأَجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا ، فَجَاءَ فَأَسْلَمَ ، وَأَمَّا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى السَّرْحِ ، فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ ، جَاءَ بِهِ ، حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، بَايِعْ عَبْدَ اللهِ . قَالَ : فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلاَثًا ، كُلَّ ذَلِكَ يَأْبَى ، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلاَثٍ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ : أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ، يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِى كَفَفْتُ يَدِى عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلَه ؟ فَقَالُوا : وَمَا يُدْرِينَا يَا رَسُولَ اللهِ مَا فِى نَفْسِكَ ، هَلاَّ أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ . قَالَ : إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِى لِنَبِىٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ أَعْيُنٍ .

8= فإن قيل : في حديث أنس – حديث الباب – ذَكَر ابن خطل ، وفي حديث سَعْدٍ هذا ذَكَر أربعة رجال وَامْرَأَتَيْن . فكيف يُجمع بينهما ؟
يُقال : كُلّ حدّث بِما سَمِع ، فلعل أنسًا رضي الله عنه سمِع الأمر بِقتل ابن خطل ، وسعد سمع الأمر بِقتل الأربعة المرأتين .

9= اسْتَدَلّ به من يرى حتمية قَتْل من سبّ النبي صلى الله عليه وسلم .
ومنع منه ابن عبد البر ؛ لأن القياس لا يصح . حيث قال : وهذا لا يجوز عند أحدٍ علمته من العلماء أن يَقيس الذمي على الحربي ؛ لأن ابن خطل في دار حرب كان ولا ذِمّة له ، وقد حكم الله عز وجل في الحربي إذا قَدَر عليه بتخير الإمام فيه ، إن شاء قتله ، وإن شاء مَنّ عليه ، وإن شاء فدى به ، فلهذا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن خطل وغيره ممن أراد منهم قَتله . اهـ .
قال ابن عبد البر : وقد اختلف الفقهاء في الذي يسبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم ذَكَر الخلاف ، فليُراجَع في " التمهيد " . وفي " اقتضاء الصراط المستقيم " لابن تيمية بسْط للمسألة .

10= الْمِغْفَر : ما يُلبس على الرأس لوقايته في الحرب . وتُسمّى " الْخُوذة " .
قال أبو عُبيد : سمي المغْفَر لأنه يَغفر الرأس - أي : يَلبسه ويُغطيه .
وقال ابن الأثير : هو ما يَلْبَسُه الدَّارِعُ على رأسه من الزَّرَدِ ونَحوه .

11= وفي حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ . رواه مسلم . وفي رواية له : وعليه عمامة سوداء بغير إحرام . وَفِي رِوَايَة : خَطَبَ النَّاس وَعَلَيْهِ عِمَامَة سَوْدَاء .
فكيف الْجَمْع بينهما ؟
قَالَ الْقَاضِي : وَجْه الْجَمْع بَيْنهمَا : أَنَّ أَوَّل دُخُوله كَانَ عَلَى رَأْسه الْمِغْفَر ، ثُمَّ بَعْد ذَلِكَ كَانَ عَلَى رَأْسه الْعِمَامَة بَعْد إِزَالَة الْمِغْفَر ، بِدَلِيلِ قَوْله : " خَطَبَ النَّاس وَعَلَيْهِ عِمَامَة سَوْدَاء " ؛ لأَنَّ الْخُطْبَة إِنَّمَا كَانَتْ عِنْد بَاب الْكَعْبَة بَعْد تَمَام فَتْح مَكَّة . ذَكَره النووي .
وقال ابن عبد البر : قد يُمكن أن يكون على رأسه عمامة سوداء وعليها المغفَر ، فلا يتعارض الحديثان . اهـ .
والقول الأول أقوى ، فقد جاء في حديث أنس : " وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ ، فَلَمَّا نَزَعَهُ ..." ، فهذا يدلّ على أنه لبس المغفر أولاً ثم نَزَعه .

12= جواز التمسّك بأستار الكعبة دون التمسّح بها ، وفَرْق بين الأمرين :

أما التمسّك بأستار الكعبة ، فهو كَحَال المستجير بِمن يخافه ، فيُمسك بأطراف أثوابه ، وكان التعلّق معروفاً ، وهو يدلّ على اللجوء والاستعاذة بالله .
ويدلّ عليه ما في هذا لحديث ؛ لأنه لو كان يُمنع من التمسّك بأستار الكعبة ، لبيّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة .

وأما التمسّح بها طلبا للبركة ، فلا يصح ؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه التمسّح به ، والـتَّبَرّك دِيانة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ولما كانت الكعبة بيت الله الذي يُدعى ويُذكر عنده ، فإنه سبحانه يُستجار به هناك ، وقد يُستمسك بأستار الكعبة . اهـ .

13= فَإِنْ قِيلَ : فَفِي الْحَدِيث الآخَر :" مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِد فَهُوَ آمِن " ، فَكَيْف قَتَلَهُ وَهُوَ مُتَعَلِّق بِالأَسْتَارِ ؟ فَالْجَوَاب : أَنَّهُ لَمْ يَدْخُل فِي الأَمَان ، بَلْ اِسْتَثْنَاهُ هُوَ وَابْن أَبِي سَرَح وَالْقَيْنَتَيْنِ وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ ، وَإِنْ وُجِدَ مُتَعَلِّقًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة ، كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي أَحَادِيث أُخَر ، وَقِيلَ : لأَنَّهُ مِمَّنْ لَمْ يَفِ بِالشَّرْطِ ، بَلْ قَاتَلَ بَعْد ذَلِكَ . قاله النووي .
 
والقلم وما يسطرون. Design by Pocket