Monday, 17 January 2011

ما المقصود بخزائن الارض في القران

Monday, 17 January 2011
قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ
2 هود /  وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ
3 يوسف/قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ
4 الإسراء / قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا
5 ص /مْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ
6 الطور / أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ
7 المنافقون / هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ
--------------قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ

فِيهِ أَرْبَع مَسَائِل : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : " قَالَ اِجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِن الْأَرْض " قَالَ سَعِيد بْن مَنْصُور : سَمِعْت مَالِك بْن أَنَس يَقُول : مِصْر خِزَانَة الْأَرْض ; أَمَا سَمِعْت إِلَى قَوْله : " اِجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِن الْأَرْض " أَيْ عَلَى حِفْظهَا , فَحَذَفَ الْمُضَاف . " إِنِّي حَفِيظ " لِمَا وُلِّيت " عَلِيم " بِأَمْرِهِ . وَفِي التَّفْسِير : إِنِّي حَاسِب كَاتِب ; وَأَنَّهُ أَوَّل مَنْ كَتَبَ فِي الْقَرَاطِيس . وَقِيلَ : " حَفِيظ " لِتَقْدِيرِ الْأَقْوَات " عَلِيم " بِسِنِي الْمَجَاعَات . قَالَ جُوَيْبِر عَنْ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رَحِمَ اللَّه أَخِي يُوسُف لَوْ لَمْ يَقُلْ اِجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِن الْأَرْض لَاسْتَعْمَلَهُ مِنْ سَاعَته وَلَكِنْ أُخِّرَ ذَلِكَ عَنْهُ سَنَة ) . قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمَّا اِنْصَرَمَتْ السَّنَة مِنْ يَوْم سَأَلَ الْإِمَارَة دَعَاهُ الْمَلِك فَتَوَجَّهَ وَرَدَّاهُ بِسَيْفِهِ , وَوَضَعَ لَهُ سَرِيرًا مِنْ ذَهَب , مُكَلَّلًا بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوت , وَضَرَبَ عَلَيْهِ حُلَّة مِنْ إِسْتَبْرَق ; وَكَانَ طُول السَّرِير ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا وَعَرْضه عَشَرَة أَذْرُع , عَلَيْهِ ثَلَاثُونَ فِرَاشًا وَسِتُّونَ مِرْفَقَة , ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَخْرُج , فَخَرَجَ مُتَوَّجًا , لَوْنه كَالثَّلْجِ , وَوَجْهه كَالْقَمَرِ ; يَرَى النَّاظِر وَجْهه مِنْ صَفَاء لَوْن وَجْهه , فَجَلَسَ عَلَى السَّرِير وَدَانَتْ لَهُ الْمُلُوك , وَدَخَلَ الْمَلِك بَيْته مَعَ نِسَائِهِ , وَفَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْر مِصْر , وَعَزْل قطفير عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ يُوسُف مَكَانه . قَالَ اِبْن زَيْد : كَانَ لِفِرْعَوْن مَلِك مِصْر خَزَائِن كَثِيرَة غَيْر الطَّعَام , فَسَلَّمَ سُلْطَانه كُلّه إِلَيْهِ , وَهَلَكَ قطفير تِلْكَ اللَّيَالِي , فَزَوَّجَ الْمَلِك يُوسُف راعيل اِمْرَأَة الْعَزِيز , فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا قَالَ : أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا مِمَّا كُنْت تُرِيدِينَ ؟ ! فَقَالَتْ : أَيّهَا الصِّدِّيق لَا تَلُمْنِي ; فَإِنِّي كُنْت اِمْرَأَة حَسْنَاء نَاعِمَة كَمَا تَرَى , وَكَانَ صَاحِبِي لَا يَأْتِي النِّسَاء , وَكُنْت كَمَا جَعَلَك اللَّه مِنْ الْحُسْن فَغَلَبَتْنِي نَفْسِي . فَوَجَدَهَا يُوسُف عَذْرَاء فَأَصَابَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ رَجُلَيْنِ : إفراثيم بْن يُوسُف , ومنشا بْن يُوسُف . وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : إِنَّمَا كَانَ تَزْوِيجه زليخاء اِمْرَأَة الْعَزِيز بَيْن دَخْلَتَيْ الْإِخْوَة , وَذَلِكَ أَنَّ زليخاء مَاتَ زَوْجهَا وَيُوسُف فِي السِّجْن , وَذَهَبَ مَالهَا وَعَمِيَ بَصَرهَا بُكَاء عَلَى يُوسُف , فَصَارَتْ تَتَكَفَّف النَّاس , فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْحَمهَا وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرْحَمهَا , وَكَانَ يُوسُف يَرْكَب فِي كُلّ أُسْبُوع مَرَّة فِي مَوْكِب زُهَاء مِائَة أَلْف مِنْ عُظَمَاء قَوْمه , فَقِيلَ لَهَا : لَوْ تَعَرَّضْت لَهُ لَعَلَّهُ يُسْعِفك بِشَيْءٍ ; ثُمَّ قِيلَ لَهَا : لَا تَفْعَلِي , فَرُبَّمَا ذَكَرَ بَعْض مَا كَانَ مِنْك مِنْ الْمُرَاوَدَة وَالسِّجْن فَيُسِيء إِلَيْك , فَقَالَتْ : أَنَا أَعْلَم بِخُلُقِ حَبِيبِي مِنْكُمْ , ثُمَّ تَرَكْته حَتَّى إِذَا رَكِبَ فِي مَوْكِبه , قَامَتْ فَنَادَتْ بِأَعْلَى صَوْتهَا : سُبْحَان مَنْ جَعَلَ الْمُلُوك عَبِيدًا بِمَعْصِيَتِهِمْ , وَجَعَلَ الْعَبِيد مُلُوكًا بِطَاعَتِهِمْ , فَقَالَ يُوسُف : مَا هَذِهِ ؟ فَأَتَوْا بِهَا ; فَقَالَتْ : أَنَا الَّتِي كُنْت أَخْدُمك عَلَى صُدُور قَدَمِي , وَأُرَجِّل جُمَّتك بِيَدِي , وَتَرَبَّيْت فِي بَيْتِي , وَأَكْرَمْت مَثْوَاك , لَكِنْ فَرَطَ مَا فَرَطَ مِنْ جَهْلِي وَعُتُوِّي فَذُقْت وَبَال أَمْرِي , فَذَهَبَ مَالِي , وَتَضَعْضَعَ رُكْنِي , وَطَالَ ذُلِّي , وَعَمِيَ بَصَرِي , وَبَعْدَمَا كُنْت مَغْبُوطَة أَهْل مِصْر صِرْت مَرْحُومَتهمْ , أَتَكَفَّف النَّاس , فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْحَمنِي , وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرْحَمنِي , وَهَذَا جَزَاء الْمُفْسِدِينَ ; فَبَكَى يُوسُف بُكَاء شَدِيدًا , ثُمَّ قَالَ لَهَا : هَلْ بَقِيت تَجِدِينَ مِمَّا كَانَ فِي نَفْسك مِنْ حُبّك لِي شَيْئًا ؟ فَقَالَتْ : وَاَللَّه لَنَظْرَة إِلَى وَجْهك أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا , لَكِنْ نَاوِلْنِي صَدْر سَوْطك , فَنَاوَلَهَا فَوَضَعْته عَلَى صَدْرهَا , فَوَجَدَ لِلسَّوْطِ فِي يَده اِضْطِرَابًا وَارْتِعَاشًا مِنْ خَفَقَان قَلْبهَا , فَبَكَى ثُمَّ مَضَى إِلَى مَنْزِله فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا رَسُولًا : إِنْ كُنْت أَيّمَا تَزَوَّجْنَاك , وَإِنْ كُنْت ذَات بَعْل أَغْنَيْنَاك , فَقَالَتْ لِلرَّسُولِ : أَعُوذ بِاَللَّهِ أَنْ يَسْتَهْزِئ بِي الْمَلِك ! لَمْ يُرِدْنِي أَيَّام شَبَابِي وَغِنَايَ وَمَالِي وَعِزِّي أَفَيُرِيدنِي الْيَوْم وَأَنَا عَجُوز عَمْيَاء فَقِيرَة ؟ ! فَأَعْلَمَهُ الرَّسُول بِمَقَالَتِهَا , فَلَمَّا رَكِبَ فِي الْأُسْبُوع الثَّانِي تَعَرَّضْت لَهُ , فَقَالَ لَهَا : أَلَمْ يَبْلُغك الرَّسُول ؟ فَقَالَتْ : قَدْ أَخْبَرْتُك أَنَّ نَظْرَة وَاحِدَة إِلَى وَجْهك أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ; فَأَمَرَ بِهَا فَأُصْلِحَ مِنْ شَأْنهَا وَهُيِّئَتْ , ثُمَّ زُفَّتْ إِلَيْهِ , فَقَامَ يُوسُف يُصَلِّي وَيَدْعُو اللَّه , وَقَامَتْ وَرَاءَهُ , فَسَأَلَ اللَّه تَعَالَى أَنْ يُعِيد إِلَيْهَا شَبَابهَا وَجَمَالهَا وَبَصَرهَا , فَرَدَّ اللَّه عَلَيْهَا شَبَابهَا وَجَمَالهَا وَبَصَرهَا حَتَّى عَادَتْ أَحْسَن مَا كَانَتْ يَوْم رَاوَدَتْهُ , إِكْرَامًا لِيُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا عَفَّ عَنْ مَحَارِم اللَّه , فَأَصَابَهَا فَإِذَا هِيَ عَذْرَاء , فَسَأَلَهَا ; فَقَالَتْ : يَا نَبِيّ اللَّه إِنَّ زَوْجِي كَانَ عِنِّينًا لَا يَأْتِي النِّسَاء , وَكُنْت أَنْتَ مِنْ الْحُسْن وَالْجَمَال بِمَا لَا يُوصَف ; قَالَ : فَعَاشَا فِي خَفْض عَيْش , فِي كُلّ يَوْم يُجَدِّد اللَّه لَهُمَا خَيْرًا , وَوَلَدَتْ لَهُ وَلَدَيْنِ ; إفراثيم ومنشا . وَفِيمَا رُوِيَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَلْقَى فِي قَلْب يُوسُف مِنْ مَحَبَّتهَا أَضْعَاف مَا كَانَ فِي قَلْبهَا , فَقَالَ لَهَا : مَا شَأْنك لَا تُحِبِّينَنِي كَمَا كُنْت فِي أَوَّل مَرَّة ؟ فَقَالَتْ لَهُ : لَمَّا ذُقْت مَحَبَّة اللَّه تَعَالَى شَغَلَنِي ذَلِكَ عَنْ كُلّ شَيْء .

الثَّانِيَة : قَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم : فِي هَذِهِ الْآيَة مَا يُبِيح لِلرَّجُلِ الْفَاضِل أَنْ يَعْمَل لِلرَّجُلِ الْفَاجِر , وَالسُّلْطَان الْكَافِر , بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَم أَنَّهُ يُفَوِّض إِلَيْهِ فِي فِعْل لَا يُعَارِضهُ فِيهِ , فَيُصْلِح مِنْهُ مَا شَاءَ ; وَأَمَّا إِذَا كَانَ عَمَله بِحَسَبِ اِخْتِيَار الْفَاجِر وَشَهَوَاته وَفُجُوره فَلَا يَجُوز ذَلِكَ . وَقَالَ قَوْم : إِنَّ هَذَا كَانَ لِيُوسُف خَاصَّة , وَهَذَا الْيَوْم غَيْر جَائِز ; وَالْأَوَّل أَوْلَى إِذَا كَانَ عَلَى الشَّرْط الَّذِي ذَكَرْنَاهُ . وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : فَإِنْ كَانَ الْمُوَلِّي ظَالِمًا فَقَدْ اِخْتَلَفَ النَّاس فِي جَوَاز الْوِلَايَة مِنْ قِبَله عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدهمَا - جَوَازهَا إِذَا عَمِلَ بِالْحَقِّ فِيمَا تَقَلَّدَهُ ; لِأَنَّ يُوسُف وُلِّيَ مِنْ قِبَل فِرْعَوْن , وَلِأَنَّ الِاعْتِبَار فِي حَقّه بِفِعْلِهِ لَا بِفِعْلِ غَيْره . الثَّانِي : أَنَّهُ لَا يَجُوز ذَلِكَ ; لِمَا فِيهِ مِنْ تَوَلِّي الظَّالِمِينَ بِالْمَعُونَةِ لَهُمْ , وَتَزْكِيَتهمْ بِتَقَلُّدِ أَعْمَالهمْ ; فَأَجَابَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْمَذْهَب عَنْ وِلَايَة يُوسُف مِنْ قِبَل فِرْعَوْن بِجَوَابَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّ فِرْعَوْن يُوسُف كَانَ صَالِحًا , وَإِنَّمَا الطَّاغِي فِرْعَوْن مُوسَى . الثَّانِي : أَنَّهُ نَظَرَ فِي أَمْلَاكه دُون أَعْمَاله , فَزَالَتْ عَنْهُ التَّبِعَة فِيهِ . قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَالْأَصَحّ مِنْ إِطْلَاق هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يُفَصَّل مَا يَتَوَلَّاهُ مِنْ جِهَة الظَّالِم عَلَى ثَلَاثَة أَقْسَام : أَحَدهَا : مَا يَجُوز لِأَهْلِهِ فِعْله مِنْ غَيْر اِجْتِهَاد فِي تَنْفِيذه كَالصَّدَقَاتِ وَالزَّكَوَات , فَيَجُوز تَوَلِّيه مِنْ جِهَة الظَّالِم , لِأَنَّ النَّصّ عَلَى مُسْتَحِقّه قَدْ أَغْنَى عَنْ الِاجْتِهَاد فِيهِ , وَجَوَاز تَفَرُّد أَرْبَابه بِهِ قَدْ أَغْنَى عَنْ التَّقْلِيد . وَالْقِسْم الثَّانِي : مَا لَا يَجُوز أَنْ يَتَفَرَّدُوا بِهِ وَيَلْزَم الِاجْتِهَاد فِي مَصْرِفه كَأَمْوَالِ الْفَيْء , فَلَا يَجُوز تَوَلِّيه مِنْ جِهَة الظَّالِم ; لِأَنَّهُ يَتَصَرَّف بِغَيْرِ حَقّ , وَيَجْتَهِد فِيمَا لَا يَسْتَحِقّ . وَالْقِسْم الثَّالِث : مَا يَجُوز أَنْ يَتَوَلَّاهُ لِأَهْلِهِ , وَلِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَدْخَل كَالْقَضَايَا وَالْأَحْكَام , فَعَقْد التَّقْلِيد مَحْلُول , فَإِنْ كَانَ النَّظَر تَنْفِيذًا لِلْحُكْمِ بَيْن مُتَرَاضِيَيْنِ , وَتَوَسُّطًا بَيْن مَجْبُورَيْنِ جَازَ , وَإِنْ كَانَ إِلْزَام إِجْبَار لَمْ يَجُزْ .

الثَّالِثَة : وَدَلَّتْ الْآيَة أَيْضًا عَلَى جَوَاز أَنْ يَخْطُب الْإِنْسَان عَمَلًا يَكُون لَهُ أَهْلًا ; فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ رَوَى مُسْلِم عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن سَمُرَة قَالَ قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا عَبْد الرَّحْمَن لَا تَسْأَل الْإِمَارَة فَإِنَّك إِنْ أُعْطِيتهَا عَنْ مَسْأَلَة وُكِلْت إِلَيْهَا وَإِنْ أُعْطِيتهَا عَنْ غَيْر مَسْأَلَة أُعِنْت عَلَيْهَا ) . وَعَنْ أَبِي بُرْدَة قَالَ قَالَ أَبُو مُوسَى : أَقْبَلْت إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعِي رَجُلَانِ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ , أَحَدهمَا عَنْ يَمِينِي وَالْآخَر عَنْ يَسَارِي , فَكِلَاهُمَا سَأَلَ الْعَمَل , وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَاك , فَقَالَ : ( مَا تَقُول يَا أَبَا مُوسَى - أَوْ يَا عَبْد اللَّه بْن قَيْس ) . قَالَ قُلْت : وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا أَطْلَعَانِي عَلَى مَا فِي أَنْفُسهمَا , وَمَا شَعَرْت أَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْعَمَل , قَالَ : وَكَأَنِّي أَنْظُر إِلَى سِوَاكه تَحْت شَفَته وَقَدْ قَلَصَتْ , فَقَالَ : ( لَنْ - أَوْ - لَا نَسْتَعْمِل عَلَى عَمَلنَا مَنْ أَرَادَهُ ) وَذَكَرَ الْحَدِيث ; خَرَّجَهُ مُسْلِم أَيْضًا وَغَيْره ; فَالْجَوَاب : أَوَّلًا : أَنَّ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا طَلَبَ الْوِلَايَة لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا أَحَد يَقُوم مَقَامه فِي الْعَدْل وَالْإِصْلَاح وَتَوْصِيل الْفُقَرَاء إِلَى حُقُوقهمْ فَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ فَرْض مُتَعَيِّن عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْره , وَهَكَذَا الْحُكْم الْيَوْم , لَوْ عَلِمَ إِنْسَان مِنْ نَفْسه أَنَّهُ يَقُوم بِالْحَقِّ فِي الْقَضَاء أَوْ الْحِسْبَة وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَصْلُح وَلَا يَقُوم مَقَامه لَتَعَيَّنَ ذَلِكَ عَلَيْهِ , وَوَجَبَ أَنْ يَتَوَلَّاهَا وَيَسْأَل ذَلِكَ , وَيُخْبِر بِصِفَاتِهِ الَّتِي يَسْتَحِقّهَا بِهِ مِنْ الْعِلْم وَالْكِفَايَة وَغَيْر ذَلِكَ , كَمَا قَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام , فَأَمَّا لَوْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَقُوم بِهَا وَيَصْلُح لَهَا وَعَلِمَ بِذَلِكَ فَالْأَوْلَى أَلَّا يَطْلُب ; لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام , لِعَبْدِ الرَّحْمَن : ( لَا تَسْأَل الْإِمَارَة وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي سُؤَالهَا وَالْحِرْص عَلَيْهَا مَعَ الْعِلْم بِكَثْرَةِ آفَاتهَا وَصُعُوبَة التَّخَلُّص مِنْهَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُ يَطْلُبهَا لِنَفْسِهِ وَلِأَغْرَاضِهِ , وَمَنْ كَانَ هَكَذَا يُوشِك أَنْ تَغْلِب عَلَيْهِ نَفْسه فَيَهْلِك ; وَهَذَا مَعْنَى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( وُكِلَ إِلَيْهَا ) وَمَنْ أَبَاهَا لِعِلْمِهِ بِآفَاتِهَا , وَلِخَوْفِهِ مِنْ التَّقْصِير فِي حُقُوقهَا فَرَّ مِنْهَا , ثُمَّ إِنْ اُبْتُلِيَ بِهَا فَيُرْجَى لَهُ التَّخَلُّص مِنْهَا , وَهُوَ مَعْنَى قَوْله : ( أُعِينَ عَلَيْهَا ) . الثَّانِي : أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ : إِنِّي حَسِيب كَرِيم , وَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْكَرِيم اِبْن الْكَرِيم اِبْن الْكَرِيم اِبْن الْكَرِيم يُوسُف بْن يَعْقُوب بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم ) وَلَا قَالَ : إِنِّي جَمِيل مَلِيح , إِنَّمَا قَالَ : " إِنِّي حَفِيظ عَلِيم " فَسَأَلَهَا بِالْحِفْظِ وَالْعِلْم , لَا بِالنَّسَبِ وَالْجَمَال . الثَّالِث : إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عِنْد مَنْ لَا يَعْرِفهُ فَأَرَادَ تَعْرِيف نَفْسه , وَصَارَ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْله تَعَالَى : " فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسكُمْ " . الرَّابِع : أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ فَرْضًا مُتَعَيِّنًا عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ غَيْره , وَهُوَ الْأَظْهَر , وَاَللَّه أَعْلَم .

الرَّابِعَة وَدَلَّتْ الْآيَة أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يَجُوز لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَصِف نَفْسه بِمَا فِيهِ مِنْ عِلْم وَفَضْل ; قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَلَيْسَ هَذَا عَلَى الْإِطْلَاق فِي عُمُوم الصِّفَات , وَلَكِنَّهُ مَخْصُوص فِيمَا اِقْتَرَنَ بِوَصْلِهِ , أَوْ تَعَلَّقَ بِظَاهِرٍ مِنْ مَكْسَب , وَمَمْنُوع مِنْهُ فِيمَا سِوَاهُ , لِمَا فِيهِ مِنْ تَزْكِيَة وَمُرَاءَاة , وَلَوْ مَيَّزَهُ الْفَاضِل عَنْهُ لَكَانَ أَلْيَق بِفَضْلِهِ ; فَإِنَّ يُوسُف دَعَتْهُ الضَّرُورَة إِلَيْهِ لِمَا سَبَقَ مِنْ حَاله , وَلِمَا يَرْجُو مِنْ الظَّفَر بِأَهْلِهِ

0 comments:

Post a Comment

 
والقلم وما يسطرون. Design by Pocket