Monday, 24 June 2013

وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون‏

Monday, 24 June 2013
وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون‏
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له
أما بعد :
فإن من أعظم الأخطار المهلكة أن يؤتى المرء من مأمنه ومن حيث لا يحتسب , فأذى القريب أبلغ تأثيراً من أذى البعيد ومن الحبيب أشد من البغيض ومن المأمون أضر من المخوف  . وكل أذى يمكن تداركه إلا أذى يوم القيامة ، فإنه الطامة والداهية التى ليس بعدها داهية . وأشد الناس حسرة من له أعمال يرجو ثوابها وبرها وجزائها، فيجدها آثاما وأغلالا كبلته فياحسرة على العباد !!  يوم أن يبدو لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون !!!  فيا أخي الحبيب إحذر ذلك وأصلح أعمالك ونواياك، أصلحنا الله وإياك .
وإليك جملة من الأعمال التي نعملها أنا وأنت نرجو ثوابها وخيرها , وربما تكون ذات آفة تفسدها أو تقلبها سيئات وبها يبدو لنا من الله مالم نكن نحتسب ، فأبينها حتى نحذرها ونصلحها. منها :
1-الاستهانة بالذنب: ربما يحتقر الإنسان ذنباً ويستهين به , فيكون هو سبب هلاكه كما قال تعالى :
( وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم )  مثل ما يفعله كثير من الناس من مشاهدة الأفلام الخليعة، ومشاهدة الصور العارية ، والمواقع الإباحية , والخوض في أعراض الناس ، ( الغيبة والنميمة )
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم" البخاري ومسلم
قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-:" إنكم تعملون أعمالا هي في أعينكم أدق من الشعر ، كنا نعدها على عهد رسول الله من الموبقات" البخاري
2- من زين له سوء عمله فرآه حسنا .
فقد يزين لكثير من الناس أعمال على أنها قرب إلى الله وهى من شر الأعمال مثل : الذهاب إلى أصحاب القبور للتقرب عندهم لله ، أو الجلوس في مجالس ذكر لعمل ختمة فيذكرون الله بذكر معين لم يشرعه الله عز وجل ، أو إحياء أيام غير مشروعة كالاحتفال بالمولد النبوي ،أو يوم الهجرة ،أوشم النسيم , ....... وغيرها كثير .  قال تعالى :( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون)
قال ابن كثير: يعني كالكفار والفجار يعملون أعمالا سيئة وهم في ذلك يعتقدون ويحسبون أنهم يحسنون صنعا، أي أفمن كان هكذا قد أضله الله ألك فيه حيلة؟ لا حيلة لك فيه ( فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء )أي بقدره كان ذلك ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) أي لا تأسف على ذلك فإن الله حكيم في قدره إنما يضل من يضل ويهدي من يهدي لما له في ذلك من الحجة البالغة والعلم التام ولهذا قال تعالى ( إن الله عليم بما يصنعون) . قال تعالى : (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ) . قال الفضيل بن عياض في هذه الآية (( وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون )): عملوا أعمالا وحسبوا أنها حسنات فإذا هي سيئات.
3-المراءاة بالعمل :
قال سفيان : ويل لأهل الرياء من هذه الآية (( وبدا لهم من الله لم يكونوا يحتسبون ......... فياخسارة من عمل طاعات شريفة جليلة ولم يخلص فيها لله عز وجل ......
إن شفيا الأصبحي حدث : أنه دخل المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس فقال من هذا ؟ فقالوا أبو هريرة فدنوت منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدث الناس فلما سكت وخلا قلت له أنشدك بحق وبحق لما حدثتني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته فقال أبو هريرة:
 أفعل لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته ثم نشغ أبو هريرة نشغة فمكث قليلا ثم أفاق فقال لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى ثم أفاق فمسح وجهه فقال لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى ثم أفاق ومسح وجهه فقال أفعل لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه في هذا البيت ما معه أحد غيري وغيره ثم نشغ أبو هريرة نشغة شديدة ثم مال خارا على وجهه فأسندته علي طويلا ثم أفاق فقال حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية فأول من يدعو به رجل جمع القرآن ورجل يقتتل في سبيل الله ورجل كثير المال فيقول الله للقارئ ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي ؟ قال بلى يا رب قال فماذا عملت فيما علمت ؟ قال كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار فيقول الله له كذبت وتقول له الملائكة كذبت ويقول الله بل أردت أن يقال إن فلانا قارئ فقد قيل ذاك ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد ؟ قال بلى يا رب قال فماذا عملت فيما آتيتك ؟ قال كنت أصل الرحم وأتصدق فيقول الله له كذبت وتقول له الملائكة كذبت ويقول الله تعالى بل أردت أن يقال فلان جواد فقد قيل ذاك ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول الله له فبماذا قتلت ؟ فيقول أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت فيقول الله تعالى له كذبت وتقول له الملائكة كذبت ويقول الله بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذاك ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة وقال الوليد أبو عثمان فأخبرني عقبة بن مسلم أن شفيا هو الذي دخل على معاوية فأخبره بهذا.
قال أبو عثمان وحدثني العلاء بن أبي حكيم أنه كان سيافا لمعاوية فدخل عليه رجل فأخبره بهذا عن أبي هريرة فقال معاوية قد فعل بهؤلاء هذا فكيف بمن بقي من الناس ؟ ثم بكى معاوية بكاء شديدا حتى ظننا أنه هالك وقلنا قد جاءنا هذا الرجل بشر ثم أفاق معاوية ومسح عن وجهه وقال صدق الله ورسوله أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون { .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .....
الخطبة الثانية :
4-مظالم العباد :
فمن الناس من يعمل أعمالا صالحة كثيرة ولكنه لا يتجنب ظلم العباد ، فيؤتى به يوم القيامة فيقتص منه فتذهب المظالم بجميع الحسنات ، بل ويطرح عليه من سيئات القوم فيطرح في النار كما قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم- : "أتدرون ما المفلس ؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ، وقال أيضاً: " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء" مسلم  ، وقال أيضاً -صلى الله عليه وسلم-:"
من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه" .رواه البخاري
5-المطالبة بشكر النعم:
مما يدخل في ذلك أيضاً ولا يحتسب الإنسان له , أن يناقش الحساب فيطلب منه شكر النعم فتقوم بعض النعم فتستوعب جميع أعماله فيطلب بشكرها فيعذب .
عن عائشة : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من نوقش الحساب عذب ) . قالت : قلت أليس يقول الله تعالى { فسوف يحاسب حسابا يسيرا } . قال: ذلك العرض .قال يحيى بن معاذ : (( إذا بسط فضله لم يبق لأحد سيئة , وإذا جاء عدله لم يبق لأحد حسنة )) نسأل الله من فضله
6-السيئات الماحية ::
وقد يعمل الإنسان أعمالا صالحة كثيرة ومع هذا الصلاح يفعل محرماً مستترا به عن أعين الناس غير مبال بنظر الله إليه . فيمحو ذلك حسناته وتحبط أعماله ولا يبدو له ذلك إلا يوم القيامة
قال نبينا -صلى الله عليه وسلم- :(لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا . فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا ) . قال ثوبان يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لانعلم . قال ( أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم . ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) رواه ابن ماجه ، وصححه الألباني
فاحذر ياأخي الحبيب أن تكون من هذه الأصناف وأنت لاتشعر. هذا ونسأل الله العفو و العافية في الدين والدينا. وصل اللهم وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين .

0 comments:

Post a Comment

 
والقلم وما يسطرون. Design by Pocket